يتّضح من سياق الآية الكريمة أنّ المرحلة الاولى أو بداية الإنسان في مسيرة الخلق والوجود تكون من التراب ، حيث خلق الله أبانا الأوّل آدم عليهالسلام من تراب ، أو أنّ جميع البشر خلقوا من التراب ، ذلك أنّ المواد الغذائية التي تشكّل قوام الإنسان ووجوده ، بما في ذلك النطفة ـ سواء كانت حيوانية أم نباتية ـ كلّها تستمد أساسها واصولها من التراب.
المرحلة الثانية ، هي مرحلة النطفة التي تشمل جميع البشر كأصلٍ ثانٍ في وجودهم عدا آدم وزوجته حوّاء.
المرحلة الثالثة التي تتكامل فيها النطفة وتنمو بشكلٍ مستمر وتتحوّل إلى قطعة دم فتسمى بمرحلة «العلقة».
بعد ذلك تتحوّل «العلقة» إلى «مضغة» أشبه ما تكون باللحم «الممضوغ» وهي مرحلة ظهور الأعضاء ، ثم مرحلة الحس والحركة ، والآية لا تشير هنا إلى هذه المراحل الثلاث ، لكن الآيات الاخرى أشارت إلى ذلك بشكل واضح.
المرحلة الرابعة تتمثل في ولادة الجنين ، بينما تتمثل المرحلة الخامسة في تكامل القوّة الجسمية التي قيل إنّها تتم في سن الثلاثين ، حيث سيحرز الجسم الإنساني أكبر قدر ممكن من نموه وتكامل قواه.
وقال البعض : إنّ الإنسان يصل هذه المرحلة قبل هذا السن ، ومن الممكن أن تختلف هذه المرحلة عند الأشخاص إلى أن يحرز الإنسان فيها مرحلة «بلوغ الأشد» حسب التعبير القرآني.
بعد ذلك تبدأ مرحلة الرجوع القهقري إلى الوراء ، فيفقد الإنسان قواه تدريجياً ، فيصل إلى الشيب الذي يعتبر المحطة السادسة من محطات حياة الإنسان.
أخيراً ، تنتهي حياة كل إنسان في الأرض بالموت والإنتقال إلى العالم الآخر.
بعد كل هذه التغيّرات والتطوّرات ، هل ثمّة من شك في قدرة وعظمة مبدىء عالم الوجود ، وألطاف الله ومواهبه على الخلق؟!
الآية الأخيرة في هذا البحث تتحدث عن أهم مظهر من مظاهر قدرة الله تبارك وتعالى متمثلة بقضية الحياة والموت ، هاتان الظاهرتان اللتان لا تزالان ـ بالرغم من تقدّم العلم وتطوّره ـ في نطاق الامور الغامضة والمجهولة في معرفة الإنسان وعلمه. قوله تعالى : (هُوَ الَّذِى يُحْىِ وَيُمِيتُ).