من الضروري أن نشير أوّلاً إلى أنّ السورة التي بين أيدينا تحدّثت أكثر من مرّة عن (الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِىءَايَاتِ اللهِ) جاء ذلك في الآيتين (٣٥) و (٥٦) وهذه الآية ، ونستفيد من القرائن أنّ المقصود ب «آيات الله» هي دلائل النبوّة وعلائمها على الأكثر ، بالإضافة إلى ما تحويه الكتب السماوية ، وطالما تتضمّن الكتب السماوية آيات التوحيد ، والمسائل الخاصة بالمبدأ والمعاد ، لذا فإنّ هذه القضايا مشمولة بجدال القوم وخصومتهم للحق.
وتنتهي الآية بتهديد من خلال قوله تعالى : (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ). أي سوف يعلمون نتيجة أعمالهم وعاقبة أعمالهم السيئة وذلك في وقت (إِذِ الْأَغْللُ فِى أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلسِلُ يُسْحَبُونَ * فِى الْحَمِيمِ). أي يلقي بهم في الماء المغلي : (ثُمَّ فِى النَّارِ يُسْجَرُونَ) (١).
إضافة إلى هذا العذاب الجسماني سيعاقبون بمجموعة من أنواع العذاب الروحي والنفسي كما تشير إليه الآية التالية ، حيث يقول تعالى : (ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ * مِن دُونِ اللهِ). أي : أين شركاؤكم من دون الله كي ينقذوكم من هذا العذاب الأليم وأمواج النار المتلاطمة؟ ألم تقولوا : إنّكم تعبدونهم وتطيعونهم وتتخذونهم أرباباً ليشفعوا لكم ، إذاً أين شفاعتهم الآن؟!
فيجيبون بخضوع يغشاهم وذلّ يعلوهم : (قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا). أي اختفوا وهلكوا وابيدوا بحيث لم يبق منهم أثر.
وعندما يرى هؤلاء أنّ اعترافهم بعبادة الأصنام أصبح عاراً عليهم وعلامةً تميّزهم ، فإنّهم يبدأون بالإنكار فيقولون : (بَل لَّمْ نَكُن نَّدْعُوا مِن قَبْلُ شَيًا).
لقد كانت الأصنام مجرّد أوهام ، لكنّا كنّا نظن أنّها تمثل حقائق ثابتة ، لكنّها أصبحت كالسراب الذي يتصوّره العطشان ماءً ، أمّا اليوم فقد ثبت لنا أنّها لم تكن سوى أسماء من غير مسمى وألفاظ ليس لها معنى ، وأنّ عبادتها لم تنفعنا بشيء سوى الضلال. لذلك فهؤلاء اليوم يواجهون الواقع الذي لا سبيل إلى إنكاره.
هناك احتمال آخر في تفسير الآية ، هو أنّهم سيكذبون لينقذوا أنفسهم من الفضيحة ، كما نقرأ ذلك في الآيتين (٢٣ و ٢٤) من سورة الأنعام : (ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا وَاللهِ رَبّنَا
__________________
(١) «الأغلال» : جمع «غل» وتعني الطوق حول العنق أو الرجل ، وهي في الأصل مأخوذة من كلمة «غلل» على وزن «أجل بمعنى الماء الذي يجري بين الأشجار.
«السلاسل : جمع «سلسلة ؛ و «يسحبون من كلمة «سحب على وزن (سهو).