احذّركم صاعقة مثل صاعقة عادٍ وثمود : بعد البحث المهم الذي تضمّنته الآيات السابقة حول التوحيد ومعرفة الخالق جلّ وعلاه تنذر الآيات ـ التي بين أيدينا ـ المعارضين والمعاندين الذين تجاهلوا كل هذه الدلائل الواضحة والآيات البينات ، وتحذّرهم أنّ نتيجة الإعراض ، نزول العذاب بهم. يقول تعالى : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ).
«الصاعقة» : تعني الصوت المهيب في السماء ، ويشتمل على النار أو الموت أو العذاب.
يواصل الحديث القرآني سياقه بالقول : (إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ).
إنّ الأنبياء قد استخدموا جميع الوسائل والأساليب لهدايتهم ، حتى ينفذوا إلى قلوبهم المظلمة.
لكن لنرى ماذا كان جوابهم حيال هذه الجهود العظيمة الواسعة لرسل الله تعالى. يقول تعالى : (قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلِكَةً) لإبلاغ رسالته بدلاً من إرسال الناس ، والآن ومادام الأمر كذلك : (فَإنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ). وما جئتم به لا نعتبره من الله.
إنّها نفس الذريعة التي ينقلها القرآن مراراً على لسان منكري النبوات ورسالات الله ومكذبي الرسل ، من الذين كانوا يتوقعون أن يكون الأنبياء دائماً ملائكة ، وكأنّما البشر لا يستحقون مثل هذا المقام.
مثال ذلك قولهم في الآية (٧) من سورة الفرقان : (وَقَالُوا مَالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِى فِى الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا).
إنّ قائد البشر يجب أن يكون من صنف البشر ، كي يعرف مشاكل الإنسان واحتياجاته ويتفاعل مع قضاياهم ، وكي يستطيع أن يكون القدوة والاسوة ، لذلك يصرّح القرآن في الآية (٩) من سورة «الأنعام» بقوله تعالى : (وَلَوْ جَعَلْنهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنهُ رَجُلاً).
بعد المجمل الذي بيّنته الآيات أعلاه ، تعود الآيات الآن ـ كما هو اسلوب القرآن الكريم ـ إلى تفصيل ما اوجز من خبر قوم عاد وثمود فتقول : (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِى الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً).
لكنّ القرآن يردّ على هؤلاء ودعواهم بالقول : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِى خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً).