بعد بيان الدعوة إلى الله وأوصاف الدعاة إلى الله ، شرحت الآيات اسلوب الدعوة وطريقتها ، فقال تعالى : (وَلَا تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيّئَةُ).
في الوقت الذي لا يملك فيه أعداؤكم سوى سلاح الإفتراء والإستهزاء والسخرية والكلام البذيء وأنواع الضغوط والظلم ؛ يجب أن يكون سلاحكم ـ أنتم الدعاة ـ التقوى والطهر وقول الحق واللين والرفق والمحبة.
وبالرغم من أنّ (الحسنة) و (السيّئة) تنطويان على مفهومين واسعين ، إذ تشمل الحسنة كل إحسان وجميل وخير وبركة ، والسيئة تشمل كل انحراف وقبح وعذاب ، إلّاأنّ الآية تقصد ذلك الجانب المحدّد من السيّئة والحسنة ، الذي يختص بأساليب الدعوة.
ثم تضيف الآية : (ادْفَعْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ).
إدفع الباطل بالحق ، والجهل والخشونة بالحلم والمداراة ، وقابل الإساءة بالإحسان ، فلا ترد الإساءة بالإساءة ، والقبح بالقبح ، لأنّ هذا اسلوب من همّه الانتقام ، ثم إنّ هذا الاسلوب يقود إلى عناد المنحرفين أكثر.
وتشير الآية في نهايتها إلى فلسفة وعمق هذا البرنامج في تعبير قصير ، فتقول : إنّ هذا التعامل سيقود إلى : (فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ).
«ولي» : هنا بمعنى الصديق ؛ و «حميم» : تعني في الأصل الماء الحار المغلي ، ويقال للأصدقاء المخلصين والمحبين للشخص «حميم» والآية تقصد هذا المعنى.
إنّ هذا الاسلوب من التعامل مع المعارضين والأعداء ليس بالأمر العادي السهل ، والوصول إليه يحتاج إلى بناء أخلاقي عميق ، لذلك فإنّ الآية التي بعدها تبيّن الاسس الأخلاقية لمثل هذا التعامل في تعبير قصير ينطوي على معاني كبيرة ، حيث يقول تعالى : (وَمَا يُلَقهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا).
وكذلك : (وَمَا يُلَقهَا إِلَّا ذُو حَظّ عَظِيمٍ).
إنّ هناك ـ بلا شك ـ موانع تحول دون الوصول إلى هذا الهدف العظيم ، وإنّ وساوس الشيطان تمنع الإنسان من تحقيق ذلك بوسائل مختلفة ، لذلك نرى الآية الأخيرة تخاطب الرسول صلىاللهعليهوآله بوصفه الاسوة والقدوة فتقول له : (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطنِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
«نزغ» : تعني الدخول في عملٍ ما لإفساده ، ولهذا السبب يطلق على الوساوس