الله العالم بكل شيء : الآية الأخيرة ـ في المجموعة السابقة ـ تحدثت عن قانون تحمّل الإنسان مسؤولية أعماله خيراً كانت أم شراً ، وعودة آثار أعماله على نفسه ، وهي إشارة ضمنية لقضية الثواب والعقاب في يوم القيامة.
وهنا يطرح المشركون هذا السؤال : متى تكون هذه القيامة التي تتحدث عنها؟ الآيتان اللتان نبحثهما تجيبان أوّلاً عن هذا السؤال ، إذ يقول القرآن : إنّ الله وحده يختص بعلم قيام الساعة : (إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ).
ثم تضيف الآية : ليس علم الساعة وحده من مختصات العلم الإلهي فحسب ، بل يندرج معه أشياء اخرى مثل أسرار هذا العالم ، وما يختص بالكائنات الظاهرة والمخفية : (وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مّنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ).
«أكمام» : جمع «كم» على وزن «جم» وتعني الغلاف الذي يغطّي الفاكهة و «كم» على وزن «قُم» تعني الجزء من الرداء الذي يغطّي اليد.
وبما أنّ أدقّ المراحل في عالم الكائن الحي هي مرحلة النمو في الرحم والولادة ، لذلك أكّد القرآن على هاتين القضيتين ، سواء في عالم الإنسان والحيوان ، أم في عالم النبات.
ثم يضيف السياق القرآني : إنّ هذه المجموعة التي تنكر القيامة وتستهزىء بها ، ستتعرض إلى مشهد يقال لهم فيه : (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَاءِى قَالُواءَاذَنكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ).
فما كنّا نقوله هو كلام باطل ، كان كلاماً نابعاً من الجهل والعناد والتقليد الأعمى ، واليوم عرفنا مدى بطلان ادعاءاتنا الواهية.
وهؤلاء في نفس الوقت الذي يسجّلون اعترافهم السابق ، فهم أيضاً لا يشاهدون أثراً للمعبودات التي كانوا يعبدونها من دون الله من قبل : (وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَدْعُونَ مِن قَبْلُ).
إنّ مشهد القيامة مشهد موحش مهول بحيث يأخذ منهم الألباب ، فينسون خواطر تلك الأصنام والمعبودات التي كانوا يعبدونها ويسجدون لها ويذبحون لها القرابين.
ففي ذلك اليوم سيعلمون : (وَظَنُّوا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ).
«محيص» : من «حيص» على وزن «حيف» وتعني العدول والتنازل عن شيء ، ولأنّ (محيص) اسم مكان ، فهي تعني هنا الملجأ والمفر.
«ظنوا» : من «ظنّ» ولها في اللغة معنىً واسع ، فهي أحياناً بمعنى اليقين ، وتأتي أيضاً بمعنى الظن ، وفي الآية مورد البحث جاءت بمعنى اليقين.