(لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (٤٩) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (٥٠) وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (٥١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ) (٥٢)
في نفس الاتجاه الذي تحدثت فيه الآيات السابقة ، نلتقي مع مضمون المجموعة الجديدة من الآيات التي بين أيدينا. يقول تعالى : (لَّايَسَمُ الْإِنسنُ مِن دُعَاءِ الْخَيْرِ).
ولكنّه : (وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيُوسٌ قَنُوطٌ).
والمقصود بالإنسان هنا الإنسان غير المتربي بعدُ باصول التربية الإسلامية ، والذي لم يتنور قلبه بالمعرفة الإلهية والإيمان بالله ، ولم يحسّ بالمسؤولية بشكل كامل.
الآية التالية تشير إلى صفة اخرى من صفات الإنسان الجاهل البعيد عن العلم والإيمان متمثلة بالغرور : (وَلَئِنْ أَذَقْنهُ رَحْمَةً مّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذَا لِى).
أي : إنّني مستحق ولائق لمثل هذه المواهب والمقام.
تضيف الآية بعد ذلك أنّ هذا الغرور يقود الإنسان في النهاية إلى إنكار الآخرة حيث يقول : (وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً). ولنفرض أنّ هناك قيامة فإنّ حالي سيكون أحسن من هذا : (وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبّى إِنَّ لِى عِندَهُ ولَلْحُسْنَى).
لكنّ الله يحذّر أمثال هؤلاء بقوله تعالى : (فَلَنُنَبّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُم مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ). «العذاب الغليظ» : هو العذاب الشديد المتراكم.
الآية التي بعدها تذكر حالة ثالثة لمثل هؤلاء ، هي حالة النسيان عند النعمة والفزع والجزع عند المصيبة. يقول تعالى : (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَا بِجَانِبِهِ). أمّا : (وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ).
«نا» : من «نأي» على وزن «رأي» وتعني الابتعاد ، وعندما تقترن مع كلمة «بجانبه» فتكون كناية عن التكبّر والغرور ، لأنّ المتكبرين ينأون بوجوههم دون اهتمام ويبتعدون.