هو الأمر التكويني الإلهي الذى كان موجوداً منذ بدء خلق الإنسان ولا يقبل التغيير ، إنّ هذه هي طبيعة الحياة الدنيوية ، ولكن ما يمتاز به عالم الآخرة هو أنّ جميع هذه الاختلافات ستنتهي وسوف تصل الإنسانية إلى الوحدة الكاملة.
أمّا آخر جملة فتقوم بتوضيح حال الأشخاص الذين جاؤوا بعد هذه المجموعة ، أي الذين لم يدركوا عصر الرسل ، حيث تقول : (وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِى شَكّ مِّنْهُ مُرِيبٍ).
(فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (١٥)
فاستقم كما امرت : بما أنّ الآيات السابقة تحدّثت عن تفرّق الامم بسبب البغي والظلم والانحراف ، لذا فإنّ الآية التي نبحثها تأمر النبي بمحاولة حلّ الاختلافات وإعادة الحياة إلى دين الأنبياء ، وأن يبذل منتهى الاستقامة في هذا الطريق ، فتقول : (فَلِذلِكَ فَادْعُ). أي : ادعوهم إلى الدين الإلهي الواحد وامنع الإختلافات.
ثم تأمره بالإستقامة في هذا الطريق ، فتقول : (وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ).
ولعلّ جملة «كما امرت» إشارة إلى المرحلة العالية من الإستقامة ، أو إلى أنّ الاستقامة يجب أن تكون من حيث الكمية والكيفية والزمن والخصوصيات الاخرى مطابقة للقانون الإلهي.
وبما أنّ أهواء الناس تعتبر من الموانع الكبيرة في هذا الطريق ، لذا تقول الآية في ثالث أمر لها : (وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ) ، لأنّ كل مجموعة ستدعوك إلى أهوائها ومصالحها الشخصية ، تلك الدعوة التي يكون مصيرها الفرقة والاختلاف والنفاق.
وبما أنّ لكل دعوة نقطة بداية ، لذا فإنّ نقطة البداية هي شخص الرسول صلىاللهعليهوآله ، حيث تقول الآية في رابع أمر لها : (وَقُلْءَامَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللهُ مِن كِتَابٍ).
وبما أنّ رعاية (أصل العدالة) ضروري لإيجاد الوحدة ، لذا فإنّ الآية تطرح ذلك في خامس أمر لها فتقول : (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ). سواء في القضاء والحكم ، أو في الحقوق الإجتماعية والقضايا الاخرى.