تواصل هذه الآيات موضوع الآيات السابقة حول الدليل الأصلي للمشركين في عبادتهم للأصنام ، وهو تقليد الآباء والأجداد ، فتقول : إنّ هذا مجرد ادعاء واهٍ من مشركي العرب : (وَكَذلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِى قَرْيَةٍ مّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَاءَابَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ).
إنّ هذه الآية نوع من التسلية لخاطر النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله والمؤمنين ليعلموا أنّ ذرائع المشركين واستدلالاتهم هذه ليست بالشيء الجديد ، إذ إنّ هذا الطريق سلكه كل المنحرفين الضالين على مر التاريخ.
وتبيّن الآية التالية جواب الأنبياء السابقين على حجج هؤلاء المشركين والمنحرفين بوضوح تام ، فتقول : (قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِءَابَاءَكُمْ).
هذا التعبير هو أكثر التعابير المؤدبة الممكن طرحها أمام قوم عنيدين مغرورين ، ولا يجرح عواطفهم أو يمسها مطلقاً.
إنّ مثل هذه التعبيرات القرآنية تعلمنا آداب المحاورة والمجادلة وخاصة أمام الجاهلين المغرورين.
ومع كل ذلك ، فإنّ هؤلاء كانوا غرقى الجهل والتعصب والعناد بحيث لم يؤثّر فيهم حتى هذا المقال المؤدب الرقيق ، فكانوا يجيبون أنبياءهم بجواب واحد فقط : (قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ).
من البديهي أنّ مثل هؤلاء الأقوام الطاغين المعاندين ، لا يستحقون البقاء ، وليست لهم أهليّة الحياة ، ولابدّ أن ينزل عذاب الله ، ولذلك فإنّ آخر آية ـ من هذه الآيات ـ تقول : (فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ). فبعضهم بالطوفان ، وآخرون بالزلزلة المدمرة ، وجماعة بالعاصفة والصاعقة ، وخلاصة القول : إنّا دمّرنا كل فئة منهم بأمر صارم فأهلكناهم.
وأخيراً وجهت الآية الخطاب إلى النبي صلىاللهعليهوآله من أجل أن يعتبر مشركو مكة أيضاً ، فقالت : (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذّبِينَ) فعلى مشركي مكة المعاندين أن يتوقعوا مثل هذا المصير المشؤوم.
(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (٢٧) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٨) بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (٢٩) وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ) (٣٠)