إنّ المثل كان من جانب المشركين ، وضرب فيما يتعلق بالأصنام ، لأنّا نقرأ في الآيات التالية : (مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً).
إنّ المشركين قالوا أنّ عيسى بن مريم قد كان معبوداً ، فينبغي أن يكون في جهنم بحكم هذه الآية ، وأي شيء أفضل من أن نكون نحن وأصنامنا مع عيسى؟! قالوا ذلك وضحكوا واستهزؤوا وسخروا.
ثم استمرّوا : (وَقَالُواءَأَالِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ). فإذا كان من أصحاب الجحيم ، فإنّ آلهتنا ليست بأفضل منه ولا أسمى.
ولكن ، اعلم أنّ هؤلاء يعلمون الحقيقة ، و (مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ).
بل : (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنهُ مَثَلاً لّبَنِى إِسْرَاءِيلَ).
لقد كان عيسى مقرّاً طوال حياته بالعبودية لله ، ودعا الجميع إلى عبوديته سبحانه ، ولمّا كان موجوداً في امته لم يسمح لأحد بالانحراف عن مسير التوحيد ، ولكن المسيحيين أوجدوا خرافة ألوهية المسيح ، أو التثليث ، بعده.
ولئلا يتوهموا أنّ الله سبحانه محتاج لعبوديتهم ، وأنّه يصر عليها ، فإنّه تعالى يقول في الآية التالية : (وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلِكَةً فِى الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ). ملائكة تخضع لأوامر الله ، ولا تعرف عملاً إلّاطاعته وعبادته.
والآية التالية تشير إلى خصيصة اخرى من خصائص المسيح عليهالسلام وتقول : إنّ عيسى سبب العلم بالساعة (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ). إمّا أنّ ولادته من غير أب دليل على قدرة الله اللامتناهية ، فتحل على ضوئها مسألة الحياة بعد الموت ، أو من جهة نزول المسيح عليهالسلام من السماء في آخر الزمان طبقاً لروايات عديدة ، ونزوله هذا دليل على اقتراب قيام الساعة.
ثم تقول الآية بعد ذلك : إنّ قيام الساعة حتم ، ووقوعها قريب : (فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا) لا من حيث الإعتقاد بها ولا من حيث الغفلة عنها.
(وَاتَّبِعُونَ هذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ) وأي صراط أكثر استقامة من الذي يخبركم بالمستقبل الخطير الذي ينتظركم ، ويحذركم منه ، ويدلكم على طريق النجاة من أخطار يوم البعث؟!
إلّا أنّ الشيطان يريد أن يبقيكم في عالم الغفلة والإرتباط بها ، فاحذروا : (وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطنُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ).
لقد أظهر عداءه لكم منذ اليوم الأوّل ، مرّة عند وسوسته لأبيكم وأمكم ـ آدم وحواء ـ