لما كان البحث في الآيات السابقة ـ وخاصة في بداية السورة ـ عن مشركي العرب واعتقادهم بأنّ لله ولداً ، وأنّهم كانوا يظنون الملائكة بنات الله ، ولما مر البحث في عدة آيات مضت عن المسيح عليهالسلام ودعوته إلى الوحدانية الخالصة والعبودية لله وحده ، فقد ورد البحث في هذه الآيات في نفي هذه العقائد الفاسدة عن طريق آخر. تقول الآية : (قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ).
وعلى هذا ، فإنّ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله يقول : لو كان لله ولد لبادرت قبلكم إلى احترامه وتعظيمه ، ليطمئن هؤلاء من إستحالة أن يكون لله ولد.
بعد هذا الكلام ذكرت الآية دليلاً واضحاً على نفي هذه الإدعاءات ، فقالت : (سُبْحَانَ رَبّ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ رَبّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ). فإنّ من كان مالكاً للسماوات والأرض ومدبراً لها ، وربّاً للعرش العظيم ، لا يحتاج إلى الولد.
ثم تضيف الآية الاخرى كاحتقار لهؤلاء المعاندين وتهديد لهم ، وهو بحد ذاته أسلوب آخر من أساليب البحث مع أمثال هؤلاء الأفراد : (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِى يُوعَدُونَ).
إنّه نفس اليوم الموعود الذي أقسم الله تعالى به في الآية (٢) من سورة البروج ، حيث تقول الآية : (وَالْيَوْمِ الْمُوعُودِ).
وتواصل الآيتان التاليتان البحث حول مسألة التوحيد ، وهما تشكلان نتيجة للآيات السابقة من جهة ، ومن جهة اخرى دليلاً لتكملتها وإثباتها ، وفيهما سبع من صفات الله سبحانه ، ولجميعها أثر في تحكيم وتقوية مباني التوحيد.
فتقف الآية الاولى بوجه المشركين الذين كانوا يعتقدون بانفصال إله السماء عن إله الأرض ، بل ابتدعوا للبحر إلهاً ، وللصحراء إلهاً وآخر للحرب ، ورابعاً للصلح والسلم ، وآلهة مختلفة ومتعددة بتعدد الموجودات ، فتقول : (وَهُوَ الَّذِى فِى السَّمَاءِ إِلهٌ وَفِى الْأَرْضِ إِلهٌ).
وتقول في الصفتين الثانية والثالثة : (وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ). فكلّ أعماله تقوم على أساس الدقّة والحساب والنظم ، وهو عليم بكل شيء ومحيط به ، وبذلك فإنّه يعلم أعمال العباد جيداً ، ويجازيهم عليها طبقاً لحكمته.
وتتحدث الآية الثانية في الصفتين الرابعة والخامسة ، بركات وجوده الدائمة الوفيرة ، وعن امتلاكه السماء والأرض وما بينهما ، فتقول : (تَبَارَكَ الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ