وتذكر الآية التالية ثلاث مواهب اخرى لكل منها أثره الهام في حياة الإنسان والكائنات الحية الاخرى ، وكل منها آية من آيات الله تعالى ، وهي مواهب «النور» و «الماء» و «الهواء» ، فتقول : (وَاخْتِلفِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرّيَاحِءَايَاتٌ لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
إنّ نظام «النور» و «الظلمة» وحدوث الليل والنهار حيث يخلف كل منهما الآخر نظام موزون دقيق جدّاً ، وهو عجيب في وضعه وسنّته وقانونه.
ويحتمل في تفسير الآية أنّ لا يكون المراد من اختلاف الليل والنهار تعاقبهما ، بل هو إشارة إلى اختلاف المدة وتفاوت الليل والنهار ، في فصول السنة ، فيعود نفعه على الإنسان من خلال ما ينتج عن هذا الإختلاف من المحاصيل الزراعية المختلفة والنباتات والفواكه ، ونزول الثلوج وهطول الأمطار والبركات الاخرى.
ثم تتناول الحديث في الفقرة الثانية عن الرزق السماوي ، أي «المطر». والماء يشكل الجانب الأكبر والقسم الأساسي من بدن الإنسان ، وكثير من الحيوانات الاخرى ، والنباتات.
ثم تتحدث في الفقرة الثالثة عن هبوب الرياح .. تلك الرياح التي تنقل الهواء المليء بالأوكسجين من مكان إلى آخر ، وتضعه تحت تصرف الكائنات الحية ، وتبعد الهواء الملوث بالكاربون إلى الصحاري والغابات لتصفيته ، ثم إعادته إلى المدن.
والعجيب أنّ هاتين المجموعتين من الكائنات الحية ـ أي الحيوانات والنباتات ـ متعاكسة في العمل تماماً ، فالاولى تأخذ الأوكسجين وتعطي غاز ثاني أوكسيد الكاربون ، والثانية على العكس تتنفس ثاني أوكسيد الكاربون وتزفر الأوكسجين ، ليقوم التوازن في نظام الحياة ، ولكي لا ينفذ مخزون الهواء النقي المفيد من جو الأرض بمرور الزمان.
إنّ هبوب الرياح ، إضافة إلى ذلك فإنّه يلقح النباتات فيجعلها حاملة للأثمار والمحاصيل ، وينقل أنواع البذور إلى الأراضي المختلفة لبذرها هناك ، وينمي المراتع الطبيعية والغابات ، ويهيج الأمواج المتلاطمة في قلوب المحيطات ، ويبعث الحركة والحياة في البحار ويثير أمواجها العظيمة ، ويحفظ الماء من التعفّن والفساد ، وهذه الرياح نفسها هي التي تحرك السفن على وجه المحيطات والبحار وتجريها.
وتقول الآية الأخيرة ، إجمالاً للبحوث الماضية ، وتبياناً لعظمة آيات القرآن وأهميتها : (تِلْكَءَايَاتُ اللهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقّ).