بكل رحابة صدر لئلا يصروا على كفرهم ويزيدوا في تعصبهم ، فتبعد المسافة بينهم وبين الحق.
لكن ، ومن أجل أنّ لا يستغل مثل هؤلاء الأفراد هذا الصفح الجميل والعفو والتسامي ، فقد أضافت الآية : (لِيَجْزِىَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).
لقد اعتبر بعض المفسرين هذه الجملة تهديداً للكفار والمجرمين ، في حين أنّ البعض الآخر اعتبرها بشارة للمؤمنين لهذا العفو والصفح ، لكن لا مانع من أن تكون تهديداً لتلك الفئة من جانب ، وبشارة لهذه الجماعة من جانب آخر ، كما أشير إلى هذا المعنى في الآية التالية أيضاً. تقول الآية : (مَن عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبّكُمْ تُرْجَعُونَ).
إنّ هذا التعبير الذي ورد في القرآن الكريم مراراً ، وبعبارات مختلفة ، يشكل جواباً لمن يقول : ماذا يضر عصياننا الله تعالى ، وما تنفعه طاعتنا؟
فتقول هذه الآيات : إنّ كل ضرر ذلك وكل نفعه يعود عليكم ، فأنتم الذين تسلكون مراقي الكمال في ظل الأعمال الصالحة ، وتحلّقون إلى سماء قرب الله عزوجل ، كما أنّكم أنتم الذين تهوون إلى الحضيض نتيجة ارتكابكم الآثام والمعاصي ، فتبتعدون عن الله عزوجل وتستحقون بذلك اللعنة الأبدية.
(وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (١٦) وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٧) ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (١٨) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (١٩) هذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (٢٠)
آتينا بني إسرائيل كل ذلك ، ولكن ... : متابعة للبحوث التي وردت في الآيات السابقة حول نعم الله المختلفة وشكرها والعمل الصالح ، تتناول هذه الآيات نموذجاً من حياة بعض الأقوام الماضين الذين غمرتهم نعم الله سبحانه ، إلّاأنّهم كفروا بها ولم يرعوها حق رعايتها.
تقول الآية الاولى : (وَلَقَدْءَاتَيْنَا بَنِى إِسْرَاءِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مّنَ