الحديث عن موهبة عظيمة أهداها الله سبحانه لنبي الخاتم صلىاللهعليهوآله والمسلمين ، فقالت الآية : (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مّنَ الْأَمْرِ).
«الشريعة» : تعني الطريق التي تستحدث للوصول إلى الماء الموجود عند ضفاف الأنهر التي يكون مستوى الماء فيها أخفض من الساحل ، ثم أطلقت على كل طريق يوصل الإنسان إلى هدفه ومقصوده.
لقد استعملت هذه الكلمة مرّة واحدة في القرآن الكريم ، وفي شأن الإسلام فقط.
والمراد من «الأمر» هنا هو دين الحق الذي مرّت الإشارة إليه في الآية السابقة أيضاً ، حيث قالت : (بَيّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ).
ولمّا كان هذا المسير مسير النجاة والنصر ، فإنّ الله سبحانه يأمر النبي صلىاللهعليهوآله بعد ذلك أن (فَاتَّبِعْهَا).
وكذلك لما كانت النقطة المقابلة ليس إلّااتباع أهواء الجاهلين ورغباتهم ، فإنّ الآية تضيف في النهاية : (وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَايَعْلَمُونَ).
وتعتبر الآية التالية تبياناً لعلّة النهي عن الإستسلام أمام مقترحات المشركين وقبول طلباتهم ، فتقول : (إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللهِ شَيًا). فإذا ما اتبعت دينهم الباطل وأحاط بك عذاب الله تعالى فإنّهم عاجزون عن أن يهبّوا لنجدتك وإنقاذك ، ولو أنّ الله سبحانه سلب منك نعمة فإنّهم غير قادرين على إرجاعها إليك.
ومع أنّ الخطاب في هذه الآيات موجه إلى النبي صلىاللهعليهوآله إلّاأنّ المراد منه جميع المؤمنين.
ثم تضيف الآية : (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ). فكلّهم من جنس واحد ، ويسلكون نفس المسير ، ونسجهم واحد ، وكلّهم ضعفاء عاجزون.
لكن لا تذهب بك الظنون بأنّك وحيد ، ومن معك قليل ولا ناصر لكم ولا معين ، بل : (وَاللهُ وَلِىُّ الْمُتَّقِينَ).
وكتأكيد لما مرّ ، ودعوة إلى اتباع دين الله القويم ، تقول آخر آية من هذه الآيات : (هذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لّقَوْمٍ يُوقِنُونَ). «البصائر» : جمع «بصيرة» ، وهي النظر ، ومع أنّ هذه اللفظة أكثر ما تستعمل في وجهات النظر الفكرية والنظريات العقلية ، إلّاأنّها تطلق على كل الامور التي هي أساس فهم المعاني وإدراكها.
هذا تعبير جميل يعبر عن عظمة هذا الكتاب السماوي وتأثيره وعمقه.