المحاكم الدنيوية ، فتقول : (وَبَدَا لَهُمْ سَيّئَاتُ مَا عَمِلُوا). فستتجسد القبائح والسيئات أمام أعينهم ، وتتّضح لهم ، وتكون لهم قريناً دائماً يتأذون من وجوده إلى جانبهم ويتعذبون من صحبته : (وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ).
والأشد ألماً من كل ذلك هو الخطاب الذي يخاطبهم به الله الرحمن الرحيم ، فيقول سبحانه : (وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هذَا).
لا شك أنّ النسيان لا معنى له بالنسبة إلى الله سبحانه الذي يحيط علمه بكل عالم الوجود ، لكنّه هنا كناية لطيفة عن احتقار الإنسان المجرم العاصي وعدم الإهتمام به.
وتتابع الآية الحديث ، فتقول : (وَمَأْوَيكُمُ النَّارُ). وإذا كنتم تظنون أنّ أحداً سيهبّ لنصرتكم وغوثكم ، فاقطعوا الأمل من ذلك ، واعلموا أنّه : (وَمَا لَكُم مّن نَّاصِرِينَ).
أمّا لماذا ابتليتم بمثل هذا المصير؟ ف (ذلِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْءَايَاتِ اللهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَوةُ الدُّنْيَا).
وتكرر الآية ما ورد في الآية السابقة وتؤكّده باسلوب آخر ، فتقول : (فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ).
فقد كان الكلام هناك عن مأواهم ومقرهم الثابت ، والكلام هنا عن عدم خروجهم من النار .. حيث قال هناك : ما لهم من ناصرين ، وهنا يقول : لا يقبل منهم عذر ، والنتيجة هي أنّ لا سبيل لنجاتهم.
وفي نهاية هذه السورة ، ولإكمال بحث التوحيد والمعاد ، والذي كان يشكل أكثر مباحث هذه السورة ، تبيّن الآيتان الأخيرتان وحدة ربوبية الله وعظمته ، وقدرته وحكمته ، وتذكر خمس صفات من صفات الله سبحانه في هذا الجانب ، فتقول أوّلاً : (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ). لأنّه (رَبّ السَّموَاتِ وَرَبّ الْأَرْضِ رَبّ الْعَالَمِينَ).
وبعد وصف ذاته المقدسة بمقام الحمد والربوبية ، تضيف الآية في الصفة الثالثة : (وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِى السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ). لأنّ آثار عظمته ظاهرة في السماء المترامية الأطراف ، والأرض الواسعة الفضاء ، وفي كل زاوية من زوايا العالم.
وأخيراً تقول الآية في الوصفين الرابع والخامس : (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
وبذلك تكمل مجموعة العلم والقدرة والعظمة والربوبية والمحمودية ، والتي هي مجموعة