أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِى كَثِيرٍ مّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) (١).
فالقرآن يقول : من حسن حظّكم أنّ فيكم رسول الله وهو مرتبط بعالم الوحي ، ولا تصرّوا وتلحّوا عليه ، فإنّ ذلك فيه عنت لكم وليس من مصلحتكم ...
ويشير القرآن معقّباً في الآية إلى موهبة عظيمة اخرى من مواهب الله سبحانه فيقول : (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ).
فإنّ القرآن يقرّر قاعدةً كلية وعامة في نهاية هذه الآية لواجدي الصفات المذكورة فيها فتقول : (أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ).
أي : لو حفظتم هذه الموهبة الإلهية «العشق للإيمان والتنفّر من الكفر والفسوق ولم تلوّثوا هذا النقاء والصفات الفطرية فإنّ الرشد والهداية دون أدنى شك في انتظاركم» ...
أمّا آخر الآيات محل البحث فتوضّح هذه الحقيقة وهي أنّ محبوبية الإيمان والتنفّر من الكفر والعصيان من المواهب الإلهية العظمى على البشر إذ تقول : (فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
فعلمه وحكمته يوجبان أن يخلق فيكم عوامل الرشد والسعادة ويكملها بدعوة الأنبياء إيّاكم ويجعل عاقبتكم الوصول إلى الهدف المنشود ... «وهو الجنة».
ولا شك أنّ علم الله بحاجة العباد وحكمته في مجال التكامل وتربية المخلوقات توجبان أن يتفضّل بهذه النعم المعنوية الكبرى على عباده (وهي محبوبية الإيمان والتنفّر من الكفر والعصيان).
وعلى هذا فإنّ عشق الإيمان والتنفّر من الكفر موجودان في قلوب جميع الناس دون استثناء وإذا لم يكن لدى بعضهم ذلك فإنّما هو من جهة اخطائهم وسلوكيّاتهم وأعمالهم ، فإنّ الله لم يُلق في قلب أيّ شخص حبّ العصيان وبغض الإيمان ...
(وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (١٠)
__________________
(١) «لعنتّم» : مشتقة من مادة «العنت» ومعناه الوقوع في عمل يخاف الإنسان عاقبته أو الأمر الذي يشقّ على الإنسان ، ومن هنا قيل للألم الحاصل من العظم المكسور عند تعرّضه للضربة بأنّه عنت ..