والتجلّة وإشارة إلى أنواع النعم في الجنة ، كما أنّ هذه الآيات تبيّن صفات أهل الجنة لتتّضح الحقائق أكثر بهذه المقارنة ما بين أهل النار وأهل الجنة.
فتبدأ الآيات بالقول : (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ).
«ازلفت» : من مادة «زُلفى» ـ على زنة كبرى ـ ومعناها القرب ، أي قُرّبت.
ثم تبيّن الآيات أوصاف أهل الجنة فتقول : (هذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ).
«أوّاب» : من مادة «أوب» ـ على زنة ذوب ـ ومعناها العودة ؛ ومع ملاحظة أنّ هذه الصيغة هي للمبالغة فإنّها تدلّ على أنّ أهل الجنة رجال متقون بحيث إنّ أي عامل أو مؤثّر أراد أن يبعدهم عن طاعة الله فهم يلتفتون ويتذكّرون فيرجعون إلى طاعته فوراً ، ويتوبون عن معاصيهم وغفلاتهم ليبلغوا مقام «النفس المطمئنة».
«الحفيظ» : معناه الحافظ ، والمراد منه هو الحافظ لعهد الله إذ أخذه من بني آدم ألّا يعبدوا الشيطان كما ورد في الآية (٦٠) من سورة يس ؛ والحافظ لحدود الله وقوانينه والحافظ لذنوبه والمتذكّر لها مما يستلزم التوبة والجبران.
وإستدامةً لبيان هذه الأوصاف فإنّ الآية التالية تشير إلى وصفين آخرين منها ، وهما بمثابة التوضيح لما سبق ذكره ، إذ تقول الآية : (مَّنْ خَشِىَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ). أي : أنّهم لا يرتكبون الإثم لا بمرأى من الناس ولا في خلوتهم وإبتعادهم عنهم.
وهذا الخوف «أو الخشية» يكون سبباً للإنابة ، فيكون قلبهم متوجّهاً إلى الله ويقبل على طاعته دائماً ويتوب من كل ذنب ، وأن يواصلوا هذه الحالة حتى نهاية العمر ويردوا عرصات المحشر على هذه الكيفية.
ثم تضيف الآية الاخرى بأنّ اولئك الذين يتمتعون بالصفات الأربع هذه حين تتلقّاهم الملائكة عند أبواب الجنة يقولون لهم بنهاية التجلّة والإكرام : (ادْخُلُوهَا بِسَلمٍ).
«السلام» من كل أنواع الأذى والسوء والعذاب والمعاقبة ، السلامة الكاملة في لباس الصحّة والعافية.
ولطمأنتهم يُضاف أنّ ذلك اليوم يوم الدعّة و (ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ).
وإضافةً لهاتين البشارتين بشرى الدخول بسلام ، وبشرى الخلود في الجنة ، يبشّرهم الله بشريين اخريين بحيث تكون مجموع البشريات أربعاً كما أنّهم يتصفون بأربع صفات يقول : (لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا).