قال المفسرون : لما نزلت هذه الآية حزن رسول الله صلىاللهعليهوآله والمؤمنون ، وظنوا أنّ الوحي قد انقطع وأنّ العذاب قد حل حتى نزلت الآية بعدها لتأمر النبي بالتذكير : (وَذَكّرْ فَإِنَّ الذّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (١).
فكان أن أحسّ الجميع بالإطمئنان.
والآية تشير إلى أنّ هناك قلوباً مهيّأة تنتظر كلامك يا رسول الله وتبليغك فإذا ما عاند جماعة ونهضوا بوجه الحق مخالفين ، فإنّ هناك جماعةً آخرين تتوق إلى الحق من أعماق قلوبهم وأرواحهم ويؤثّر فيها كلامك اللّين.
(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (٥٨)
هدف خلق الإنسان من وجهة نظر القرآن : من أهمّ الأسئلة التي تختلج في خاطر كل إنسان هو لِمَ خُلِقنا؟! وما الهدف من خلق الناس والمجيىء إلى هذه الدنيا؟!
فالآيات آنفة الذكر تجيب على هذا السؤال المهم والعام بتعابير موجزة ذات معنى غزير ، وتكمّل البحث الوارد في آخر آية من الآيات المتقدمة حول تذكير المؤمنين ، لأنّ ذلك من أهمّ الاصول التي ينبغي على النبي أن يتابعها ... كما توضّح ـ ضمناً ـ معنى الفرار إلى الله الوارد في الآيات السابقة.
تقول الآيات حاكيةً عن الله سبحانه : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).
وأنّه غير مفتقر إلى أيّ منهم أبداً : (مَا أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ). بل إنّ الله تعالى هو الذي يرزق عباده ومخلوقاته ... (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ).
وبقليل من التأمل في مفهوم آيات القرآن نرى أنّ الهدف الأصلي هو «العبودية» وهو ما اشير في هذه الآيات محل البحث ، أمّا العلم والإمتحان وأمثالهما فهي أهداف ضمن مسير العبودية لله ، ورحمة الله الواسعة نتيجة العبودية لله.
وهكذا يتّضح أنّنا خلقنا لعبادة الله ، لكن المهم أن نعرف ما هي حقيقة هذه العبادة؟!
إنّ العبودية هي إظهار منتهى الخضوع للمعبود ، ولذلك فالمعبود الوحيد الذي له حق
__________________
(١) مجمع البيان ٩ / ٢٦٨.