أيضاً الكفر بأسوأ صوره في الجماعة الثانية المقارن للتكذيب بآيات الله.
ولأنّ حبّ الدنيا مصدر كل رذيلة ، ورأس كل خطيئة ، فالآية اللاحقة ترسم بوضوح وضع الحياة الدنيا والمراحل المختلفة والمحفّزات والظروف والأجواء التي تحكم كل مرحلة من هذه المراحل ، حيث يقول سبحانه : (اعْلَمُوا إِنَّمَا الْحَيَوةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِى الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلدِ).
وبهذه الصورة فإنّ الغفلة واللهو والزينة والتفاخر والتكاثر تشكّل المراحل الخمس لعمر الإنسان.
ويذكر سبحانه مثالاً لبداية ونهاية الحياة ويجسّد الدنيا أمام أعين الناس بهذه الصورة حيث يقول سبحانه : (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَيهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا) (١).
«كفّار هنا ليس بمعنى الأشخاص غير المؤمنين ، ولكن بمعنى الزرّاع لأنّ أصل الكفر هو التغطية ، وبما أنّ الزارع عندما ينثر البذور يغطّيها بالتراب ، فقد قيل له كافر.
«حطام : من مادة حطم بمعنى التكسير والتفتيت ، ويطلق على الأجزاء المتناثرة للتبن (حطام) وهي التي تأخذها الرياح باتّجاهات مختلفة.
إنّ المراحل التي يمرّ بها الإنسان مدّة سبعين سنة أو أكثر تظهر في النبات بعدّة أشهر ، ويستطيع الإنسان أن يسكن بجوار المزرعة ويراقب بداية ونهاية العمر في وقت قصير.
ثم يتطرّق القرآن الكريم إلى حصيلة العمر ونتيجته النهائية حيث يقول سبحانه : (وَفِى الْأَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مّنَ اللهِ وَرِضْوَانٌ).
وأخيراً تنهي الآية حديثها بهذه الجملة : (وَمَا الْحَيَوةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ).
«غرور : في الأصل من مادة غَرّ بمعنى الأثر الظاهر للشيء ، ويقال (غُرّة) للأثر الظاهر في جبهة الحصان ، ثم اطلقت الكلمة على حالة الغفلة ، حيث إنّ ظاهر الإنسان واعٍ ، ولكنّه غافل في الحقيقة ، وتستعمل أيضاً بمعنى الخدعة والحيلة.
«المتاع : بمعنى كل نوع ووسيلة يستفاد منها ، وبناءً على هذا فإنّ جملة (الدنيا متاع الغرور) كما جاءت في قوله تعالى : (وَمَا الْحَيَوةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ). تعني أنّها وسيلة
__________________
(١) يهيج : من مادة هيجان جاءت هنا بمعنيين الأوّل : جفاف النبات ، والآخر : التحرّك والحيوية ، وقد يرجع هذان المعنيان إلى أصل واحد ، لأنّ النبات عند جفافه يكون مهيّأ للإندثار والإنتشار بحركة الرياح.