الهدف الأساس من بعثة الأنبياء : ابتدأ الله سبحانه وتعالى عباده بالنعم فكانت رحمته ولطفه ومغفرته ، ونعمه الكثيرة التي لا تحصى والتي اشير إليها في الآيات السابقة ... ولأنّ هذه النعم تحتاج إلى تقنين في استعمالها ، ونظم وشرائط لنيل نتائجها المرجوّة ، لذا فإنّه يحتاج إلى قيادة تقوم بمباشرتها والإشراف عليها وإعطاء التوجيهات الإلهية بشأنها ، وهؤلاء القادة يجب أن يكونوا (قادة إلهيين) والآية مورد البحث ـ التي تعتبر من أكثر الآيات القرآنية محتوى ـ تشير إلى هذا المعنى ، وتبيّن هدف إرسال الأنبياء ومناهجهم بصورة دقيقة ، حيث يقول سبحانه : (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ).
وبهذه الصورة فإنّ الأنبياء كانوا مسلّحين بثلاث وسائل وهي : الدلائل الواضحة ، والكتب السماوية ، ومعيار قياس الحق من الباطل والجيّد من الرديء. ولا يوجد مانع من أن يكون القرآن (بيّنة) أي معجزة ، وهو كذلك كتاب سماوي ومبيّن للأحكام والقوانين ، أي أنّ الأبعاد الثلاثة تصبّ في محتوى واحد وهي موجودة في القرآن الكريم.
وعلى كل حال ، فإنّ الهدف من تعبئة هؤلاء الرجال العظام بهذه الأسلحة الأساسية ، هو إقامة القسط والعدل.
وأنّ هذه الآية تشير إلى أحد الأهداف العديدة لارسال الرسل.
ثم إنّ أي مجتمع إنساني مهما كان مستواه الأخلاقي والاجتماعي والعقائدي والروحي عالياً ، فإنّ ذلك لا يمنع من وجود أشخاص يسلكون طريق العتو والطغيان ، ويقفون في طريق القسط والعدل ، واستمراراً لمنهج الآية هذه يقول سبحانه : (وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ).
إنّ هذه الأسلحة الثلاثة التي وضعت تحت تصرّف الأنبياء هي بهدف أن تكون الأفكار والمفاهيم التي جاء بها الأنبياء فاعلة ومؤثّرة ، وتحقّق أهدافها المنشودة ، فقد وضع الحديد والبأس الشديد في خدمة رسل الله.
إنّ تعبير (أنزلنا) إشارة إلى الهبات التي تعطى من المقام الأعلى إلى المستوى الأدنى ، وهنا حديث لأمير المؤمنين عليهالسلام في تفسيره لهذا القسم من الآية حيث قال : فإنزاله ذلك : خلقه إيّاه (١).
__________________
(١) الاحتجاج ، الشيخ الطبرسي ١ / ٣٧٢.