بعد بيان سلسلة من الاصول العامة يشير ويذكّر بمصير الأقوام السابقة ، لكي يكون ذلك شاهداً وحجّة.
وهنا أيضاً يتجسّد هذا المنهج ، حيث يشير في المقدمة إلى ارسال الرسل مع البينات والكتاب والميزان والدعوة إلى الإيمان بالحق ، لنيل مرضاته سبحانه والفوز بالسعادة الأبدية ... ثم يتحدث عن بعض الامم السابقة وأنبيائهم ويعكس هذه الاسس في منهج دعوتهم.
ويبدأ بشيوخ الأنبياء وبداية سلسلة رسل الحق ، نوح وإبراهيم عليهماالسلام ، حيث يقول سبحانه : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرهِيمَ وَجَعَلْنَا فِى ذُرّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ).
ومما يؤسف له أنّ الكثيرين لم يستفيدوا من هذا الميراث العظيم ، والنعم الإلهية الفيّاضة ، والهبات والألطاف العميمة ، حيث يقول عزوجل : (فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ).
نعم ، لقد بدأت النبوّة بنوح عليهالسلام توأماً مع الشريعة والمبدأ ، ومن ثم إبراهيم عليهالسلام من الأنبياء اولي العزم في إمتداد خطّ الرسالة.
ثم يشير إلى قسم آخر من سلسلة الأنبياء الكرام التي تختتم بعيسى عليهالسلام آخر رسول قبل نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوآله حيث يقول سبحانه : (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى ءَاثَارِهِم بِرُسُلِنَا).
حيث حملوا نور الهداية للناس ليضيئوا لهم الطريق ، وتعاقبوا في حملها الواحد بعد الآخر ، حتى وصل الدور إلى السيّد المسيح : (وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ).
ثم يشير هنا إلى الكتاب السماوي للسيّد المسيح عليهالسلام حيث يقول : (وَءَاتَيْنهُ الْإِنجِيلَ). ويستمرّ متحدّثاً عن خصوصيات أتباعه فيقول سبحانه : (وَجَعَلْنَا فِى قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً).
وفي تفاوت مصطلحي الرأفة والرحمة قالوا : إنّ الرأفة تعني الرغبة في دفع الضرر ، والرحمة تعني الرغبة في جلب المنفعة. ولهذا تذكر الرأفة قبل الرحمة غالباً ، لأنّ قصد الإنسان ابتداءً هو دفع الضرر ومن ثم يفكّر في جلب المنفعة.
ثم يضيف سبحانه : (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَاتَيْنَا الَّذِينَءَامَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) (١).
__________________
(١) إنّ الرهبانية أخذت من الرهبة التي جاءت بمعنى الخوف من الله.