ومن الطبيعي أنّ هذا الإمداد واللطف الإلهي لا يتنافي أبداً مع أصل حرية الارادة واختيار الإنسان ، لأنّ الخطوات الاولى في ترك أعداء الله قد قرّرها المؤمنون ابتداءً ، ثم جاء الإمداد الإلهي بصورة استقرار الإيمان حيث عبّر عنه ب (كتب).
هذه الروح الإلهية التي يؤيّد الله سبحانه المؤمنين بها هي نوع من الحياة المعنوية الجديدة التي أفاضها الله تعالى على المؤمنين.
ويقول تعالى في ثالث مرحلة : (وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا).
ويضيف في رابع مرحلة لهم : (رَضِىَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ).
إنّ أعظم ثواب معنوي وجزاء روحاني لأصحاب الجنة في مقابل النعم المادية العظيمة في القيامة من جنان وحور وقصور هو شعورهم وإحساسهم أنّ الله راضٍ عنهم وأنّ رضى مولاهم ومعبودهم يعني أنّهم مقبولون عنده ، وفي كنف حمايته وأمنه ، حيث يجلسهم على بساط قربه ، وهذا أعظم إحساس ينتابهم ، ونتيجته رضاهم الكامل عن الله سبحانه.
وفي آخر مرحلة يضيف تعالى بصورة إخبار عام يحكي عن نعم وهبات اخرى حيث يقول : (أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُوَن).
وليس المقصود بالفلاح هنا ما يكون في عالم الآخرة ونيل النعم المادية والمعنوية في يوم القيامة فحسب ، بل كما جاء في الآيات السابقة أنّ الله تعالى ينصرهم بلطفه في هذه الدنيا أيضاً على أعدائهم وستكون بأيديهم حكومة الحق والعدل التي تستوعب هذا العالم أخيراً.
|
نهاية تفسير سورة المجادلة |
* * *