مثل اللات والعزّى والصنم الثالث وهو مناة بإمكانها أن تنفعكم أو تضرّكم : (أَفَرَءَيْتُمُ اللتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَوةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى).
مع أنّكم تزعمون أنّ قيمة البنت دون قيمة الولد ولو بلغكم أنّ أزواجكم أنجبن بنات حزنتم واسودّت وجوهكم.
(تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيْزَى). فهذه قسمة غير عادلة بينكم وبين الله تعالى فعلام تجعلون نصيب الله دون نصيبكم؟!
وهكذا يتناول القرآن أفكارهم الخرافية مستهزئاً بها! ويقول لهم : إنّكم ترون البنت عاراً وذلّةً وتئدونها وهي حيّة في القبر ، وفي الوقت ذاته تزعمون بأنّ الملائكة بنات الله ، ولا تعبدون الملائكة من دون الله فحسب بل تصنعون لها التماثيل وتجعلون لها تلك القدسية.
ومن هنا يبدو واضحاً أنّ العرب الجاهليين كانوا يعبدون بعض هذه الأصنام على الأقل على أنّها تماثيل الملائكة ، الملائكة التي يسمّون كلّاً منها بربّ النوع ومدير الوجود ومدبّره ، وكانوا يرون أنّ الملائكة بنات الله.
ومن هنا يتبيّن أنّ القرآن لا يقصد إمضاء ما كان عليه العرب من التفريق بين الذكر والانثى ، بل يريد بيان ما هو مقبول ومسلّم عندهم (وهو منطق الجدل) ، وإلّا فلا فرق في نظر الإسلام ومنطقه بين الذكر والانثى من حيث القيمة الإنسانية ، ولا الملائكة فيهم ذكر وانثى ، ولا هم بنات الله ، وليس عند الله من ولد أساساً.
وفي آخر آية من الآيات محل البحث يقول القرآن بضرس قاطع : (إِنْ هِىَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَءَابَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ).
فلا دليل لديكم من العقل ، ولا دليل عن طريق الوحي على مدّعاكم ، وليس لديكم إلّا حفنة من الأوهام والخيالات الباطلة.
ثم يختتم القرآن الآية بالقول : (إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ). فهذه الخيالات والموهومات وليدة هوى النفس (وَلَقَدْ جَاءَهُم مّن رَّبّهِمُ الْهُدَى) .. إلّاأنّهم أغمضوا أعينهم عنه وخلّفوه وراء ظهورهم وتاهوا في هذه الأوهام والضلالات.
وأساساً فإنّ هوى النفس ذاته يعدّ أكبر الأصنام وأخطرها ، وهو الأصل لظهور الأصنام الاخرى.