(أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (٢٤) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (٢٥) وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى) (٢٦)
هذه الآيات أيضاً تتناول بالبحث والتعقيب موضوع عبادة الأصنام وخرافتها ، وهي تتمّة لما سبق بيانه في الآيات المتقدمة. فتتناول أوّلاً الامنيات الجوفاء عند عبدة الأصنام وما كانوا يتوقّعون من الأصنام : (أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّى).
تُرى! هل من الممكن أن تشفع هذه الأجسام التي لا قيمة لها ولا روح فيها عند الله سبحانه؟ أو يُلتجأ إليها عند المشكلات؟ كلّا! (فَلِلَّهِ الْأَخِرَةُ وَالْأُولَى).
إنّ عالم الأسباب يدور حول محور إرادته ، وكل ما لدى الموجودات فمن بركات وجوده ، فالشفاعة من اختياراته أيضاً ، وحلّ المشاكل بيد قدرته كذلك.
وهكذا فإنّ القرآن يقطع أمل المشركين تماماً ـ بشفاعة الأصنام.
وفي آخر الآيات محل البحث يقول القرآن مضيفاً ومؤكّداً على هذه المسألة : (وَكَم مّن مَّلَكٍ فِى السَّموَاتِ لَاتُغْنِى شَفَاعَتُهُمْ شَيًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى).
فحيث لا تستطيع الملائكة على عظمتها حتى ولو بشكل جماعي أن تشفع لأحد إلّابإذن الله ورضاه ، فما عسى يُنتظر من هذه الأصنام التي لا قيمة لها.
بحث
سعة الأماني : الأمل أو التمنّي إنّما ينبع من محدودية قدرة الإنسان وضعفه ، الإنسان إذا كانت له علاقة بالشيء ولم يستطع أن يبلغه ويحقّقه فإنّه يأخذ صورة التمنّي عنده ...
وبالطبع قد تكون أمانيّ الإنسان أحياناً نابعة من روحه العالية وباعثاً على الحركة والجدّ والنشاط والجهاد وسيره التكاملي ... كما لو تمنّى بأن يتقدم الناس بالعلم والتقوى والشخصية والكرامة.
إلّا أنّه كثيراً ما تكون هذه الأحلام والأماني كاذبة ، وعلى العكس من الأماني الصادقة فانّها ـ أي الكاذبة ـ أساس الغفلة والجهل والتخدير والتخلّف كما لو تمنّى الإنسان الخلود في الأرض والعمر الدائم ، وأن يملك أموالاً طائلة ، وأن يحكم الناس جميعاً وأمثال هذا الخيال الموهوم.
ولذلك فقد رغّبت الروايات الإسلامية الناس في تمنّي الخير ، كما في كتاب الخصال عن