وأكّدت الآية اللاحقة بعد الأمر بالتقوى والتوجّه إلى يوم القيامة على ذكر الله سبحانه ، حيث يقول تعالى : (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ).
وأساساً فإنّ جوهر التقوى شيئان : ذكر الله تعالى ، وذلك بالتوجّه والإنشداد إليه من خلال المراقبة الدائمة منه واستشعار حضوره في كل مكان وفي كل الأحوال ، والخشية من محكمة عدله ودقّة حسابه الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّاأحصاها في صحيفة أعمالنا ... ولذا فإنّ التوجّه إلى هذين الأساسين (المبدأ والمعاد) كان على رأس البرامج التربوية للأنبياء والأولياء ، وذلك لتأثيرها العميق في تطهير الفرد والمجتمع.
وأساساً فإنّ النسيان ـ بحدّ ذاته ـ من أكبر مظاهر تعاسة الإنسان وشقائه ، لأنّ قيمة الإنسان في قابلياته ولياقاته الذاتية وطبيعة خلقه التي تميّزه عن الكثير من المخلوقات ، وإذا نسيها فهذا يعني نسيان إنسانيته ، وفي مثل هذه الحالة يسقط الإنسان في وحل الحيوانية ، ويصبح همّه الأكل والشرب والنوم والشهوات.
وهذه كلّها عامل أساس للفسق والفجور ، بل إنّ نسيان الذات هو من أسوأ مصاديق الفسق والخروج عن طاعة الله ، ولهذا يقول سبحانه : (أُولئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).
وفي آخر آية ـ مورد البحث ـ يستعرض سبحانه مقارنة بين هاتين الجماعتين : الجماعة المؤمنة المتّقية السائرة باتّجاه المبدأ والمعاد ، والجماعة الغافلة عن ذكر الله ، التي ابتليت كنتيجة للغفلة عن الله بنسيان ذاتها ، حيث يقول سبحانه : (لَايَسْتَوِى أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ).
ليس في الدنيا ، ولا في المعتقدات ، وليس في طريقة التفكير والمنهج ، وليس في طريقة الحياة الفردية والاجتماعية للإنسان وأهدافه ، ولا في المحصّلة الاخروية والجزاء الإلهي ... إذ إنّ خطّ كل مجموعة من هاتين المجموعتين في اتّجاه متعارض ... متعارض في كل شيء وكل مكان وكل هدف ... إحداهما تؤكّد على ذكر الله والقيامة وإحياء القيم الإنسانية الرفيعة ، والقيام بالأعمال الصالحة كذخيرة ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ... والاخرى غارقة في الشهوات واللذات المادية ، وأسيرة الأهواء ومبتلية بالنسيان .. وبهذا فإنّ الإنسان على مفترق طريقين ، إمّا أن يرتبط بالقسم الأوّل ، أو بالقسم الثاني ، وليس غيرهما من سبيل آخر.
وفي نهاية الآية نلاحظ حكماً قاطعاً حيث يضيف سبحانه : (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ).