تبدأ هذه السورة كذلك بالتسبيح لله عزوجل ، وتشير إلى بعض صفات الجمال والجلال والأسماء الحسنى لله ، ويعتبر ذلك في الحقيقة مقدمة للأبحاث القادمة ، حيث يقول تعالى : (يُسَبّحُ لِلَّهِ مَا فِى السَّموَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ). حيث يسبّحونه بلسان الحال والقال وينزّهونه عن جميع العيوب والنقائض : (الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ).
وبناءً على ذلك تشير الآية أوّلاً إلى المالكية والحاكمية المطلقة ، ثم تنزّهه من أي نوع من الظلم والنقص وذلك لإرتباط اسم الملوك بأنواع المظالم والمآسي ، فجاءت كلمة قدّوس لتنفي كل ذلك عنه جلّ شأنه.
وبعد هذه الإشارة الخاطفة ذات المعنى العظيم لمسألة التوحيد وصفات الله ، يتحدث القرآن عن بعثة الرسول والهدف من هذه الرسالة العظيمة المرتبطة بالعزيز الحكيم القدوس ، حيث يقول : (هُوَ الَّذِى بَعَثَ فِى الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْءَايَاتِهِ).
وذلك من أجل أن يطهّرهم من كل أشكال الشرك والكفر والانحراف والفساد (وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِى ضَللٍ مُّبِينٍ).
«الامّيين : جمع امّي وهو الذي لا يعرف القراءة والكتابة (ونسبته إلى الام باعتبار أنّه لم يتلقّ تعليماً في معهد أو مدرسة غير مدرسة الام).
إنّ الآية تؤكّد على أنّ نبي الإسلام بعث من بين هؤلاء الاميين الذين لم يتلقّوا ثقافة وتعليماً وذلك لبيان عظمة الرسالة وذكر الدليل على حقانيتها ، لأنّ من المحال أن يكون هذا القرآن العظيم وبذلك المحتوى العميق وليد فكر بشري وفي ذلك المحيط الجاهلي ومن شخص امّي أيضاً ، بل هو نور أشرق في الظلمات ، وهي بحد ذاتها معجزة باهرة وسنداً قاطعاً على حقانيته.
ولخصّت الآية الهدف من بعثة الرسول صلىاللهعليهوآله في ثلاثة امور ، جاء أحدها كمقدمة وهو تلاوة الآيات عليهم ، بينما شكّل الأمران الآخران أي (تهذيب وتزكية النفس) و (تعليمهم الكتاب والحكمة) الهدف النهائي الكبير.
نعم ، جاء الرسول صلىاللهعليهوآله ليعطي الإنسانية ويعلّمها العلم والأخلاق ، لتستطيع بهذين الجناحين (جناح العلم وجناح الأخلاق) أن تحلّق في عالم السعادة وتطوي مسيرها إلى الله لتنال القرب منه.
ويمكن أن يكون الفرق بين الكتاب والحكمة هو أنّ الأوّل إشارة إلى القرآن والثاني إشارة إلى سنّة الرسول صلىاللهعليهوآله.