القدرة على تشخيصهم بسهولة من جهة ، ولكونهم أعداء يعيشون في داخل الجسم الإسلامي وربّما ينفذون إلى قلبه نفوذاً يصعب معه فرزهم وتحديدهم من جهة اخرى.
ويأتي خطرهم ثالثاً من إرتباطاتهم مع سائر عناصر المجتمع بعلاقات بحيث تصعب مكافحتهم.
ولهذا نرى أنّ أكثر الضربات التي تلقّاها الإسلام على مدى التاريخ جاءته من هذا المعسكر ، أي معسكر النفاق ولهذا نلاحظ أنّ الإسلام شنّ حملات شديدة جدّاً عليهم.
وبعد هذه المقدمة نرجع إلى تفسير الآيات.
إنّ أوّل صفة يذكرها القرآن للمنافقين هي : إظهار الإيمان الكاذب الذي يشكّل الظاهرة العامة للنفاق ، حيث يقول تعالى : (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ وَقَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ). ويضيف : (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ). لأنّهم لم يريدوا الإخبار عن واقعية رسالة رسول الله وإنّما أرادوا الإخبار عن إعتقادهم برسالته ، وهذا من الكذب المحض.
وهذه أوّل علامة من علامات المنافقين ، حيث اختلاف الظاهر مع الباطن ، ففي الوقت الذي يظهر المنافقون الإيمان ويدعونه بألسنتهم ، نرى قلوبهم قد خلت من الإيمان تماماً ، وهذه الظاهرة تشكّل المحور الرئيسي للنفاق.
وتذكر الآية اللاحقة العلامة الثانية : (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
ذلك لأنّهم يضعون الموانع والعراقيل في طريق هداية الناس ، وليس هناك أقبح من أن يمنع الإنسان غيره من الإهتداء.
من عبارة (جُنَّةً) يتّضح أنّ المنافقين في حالة حرب دائمة ضد المؤمنين ، وأنّ الظواهر التي يتخفّون وراءها لا ينبغي أن تخدع أحداً.
وتتطرق الآية اللاحقة إلى ذكر السبب الذي يقف وراء هذه الأعمال السيئة ، حيث يقول تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْءَامَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَايَفْقَهُونَ).
والواقع أنّ المنافقين مجموعتان :
المجموعة الاولى : كان إيمانها منذ البداية ظاهرياً وصورياً.
والثانية : كان إيمانها حقيقيّاً في البداية ثم ارتدّوا ولزموا طريق النفاق.