الأعمال يقول القرآن : (وَأَنَّ إِلَى رَبّكَ الْمُنتَهَى).
وليس الحساب والثواب والجزاء في الآخرة بيد قدرته فحسب ، فإنّ الأسباب والعلل جميعها تنتهي سلسلتها إلى ذاته المقدسة ، وجميع تدبيرات هذا العالم تنشأ من تدبيراته ، وأخيراً فإنّ ابتداء هذا العالم والموجودات وانتهاؤها كلّها منه وإليه ، وتعود إلى ذاته المقدسة.
في تفسير علي بن إبراهيم عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : إذا انتهى الكلام إلى الله فأمسكوا وتكلموا فيما دون العرش ، ولا تكلموا فيما فوق العرش. أي لا تتكلّموا في ذات الله فإنّ العقول تحار فيه ولا تصل إلى حدّ فإنّه لا يمكن للعقول المحدودة أن تفكّر في ما هو غير محدود لأنّه مهما فكّرت العقول فتفكيرها محدود وحاشا لله أن يكون محدوداً.
إنّ هذا التفسير لا ينافي ما ذكرناه آنفاً ويمكن الجمع بين المفهومين في الآية.
ثم يضيف القرآن في الآية التالية مبيّناً حاكمية الله في أمر ربوبيته وإنتهاء امور هذا العالم إليه فيقول : (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا * وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى * مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى).
وهذه الآيات الأربع وما قبلها هي بيان جامع وتوضيح طريف لمسألة انتهاء الامور إليه وتدبيره وربوبيته ، لأنّها تقول : إنّ موتكم وحياتكم بيده واستمرار النسل عن طريق الزوجين بيده ، وكل ما يحدث في الحياة فبأمره ، فهو يضحك ، وهو يبكي ، وهو يميت ، وهو يحيي ، وهكذا فإنّ أساس الحياة والمعوّل عليه من البداية حتى النهاية هو ذاته المقدسة.
وقد جاء في بعض الأحاديث ما يوسع مفهوم الضحك والبكاء في هذه الآية ففسّرت بأنّه سبحانه : أبكى السماء بالمطر وأضحك الأرض بالنبات (١).
وبعد ذكر الامور المتعلقة بالربوبية والتدبير من قِبَل الله يتحدث القرآن عن موضوع المعاد فيقول : (وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى).
«النشأة : معناها الإيجاد والتربية ، والنشأة الاخرى ليست شيئاً سوى القيامة.
ثم يضيف القرآن في الآية التالية قائلاً : (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى).
فالله سبحانه لم يرفع حاجات الإنسان المادية عنه بلطفه العميم فحسب ، بل أولاه غنى يرفع عنه حاجاته المعنوية من امور التربية والتعليم والتكامل عن طريق إرسال الرسل إليه وإنزال الكتب السماوية وإعطائه المواهب العديدة.
__________________
(١) تفسير علي بن إبراهيم القمي ٢ / ٣٣٩.