وبما أنّ الإنسان يتعرّض لأخطاء كثيرة في مرحلة الإمتحان الكبير الذي يمرّ به ، فيجدر به ألّا يكون متشائماً ويائساً من عون الله سبحانه ومغفرته له ، وذلك من خلال العزم على معالجة أخطائه ونزواته النفسية وإصلاحها ، حيث يقول تعالى : (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ).
وبعد إستعراض نظام الموت والحياة الذي تناولته الآية السابقة ، تتناول الآية اللاحقة النظام الكلي للعالم ، وتدعو الإنسان إلى التأمل في عالم الوجود ، والتهيّؤ لمخاض الإمتحان الكبير عن طريق التدبّر في آيات هذا الكون العظيم. يقول تعالى : (الَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَموَاتٍ طِبَاقًا).
ثم يضيف سبحانه : (مَّا تَرَى فِى خَلْقِ الرَّحْمنِ مِن تَفَاوُتٍ).
إنّ الآية أعلاه تبيّن لنا أنّ عالم الوجود ـ بكل ما يحيطه من العظمة ـ قائم وفق نظام مستحكم ، وقوانين منسجمة ، ومقادير محسوبة ، ودقّة متناهية ، ولو وقع أي خلل في جزء من هذا العالم الفسيح لأدّى إلى دماره وفنائه.
ثم يضيف تعالى مؤكّداً : (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ).
«فطور : من مادة فطر على وزن (سطر) بمعنى الشقّ من الطول ، كما تأتي بمعنى الكسر (كإفطار الصيام) والخلل والإفساد ، وقد جاءت بهذا المعنى في الآية مورد البحث.
ويقصد بذلك أنّ الإنسان كلّما دقّق وتدبّر في عالم الخلق والوجود ، فإنّه لا يستطيع أن يرى أي خلل أو اضطراب فيه. لذا يضيف سبحانه مؤكّداً هذا المعنى في الآية اللاحقة حيث يقول : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسًا وَهُوَ حَسِيرٌ).
«كرّتين : من مادة كر على وزن (شرّ) بمعنى التوجّه والرجوع إلى شيء معيّن.
وبناءً على هذا فإنّ القرآن الكريم يأمر الناس في هذه الآيات أن يتطلّعوا ويتأملوا ويدقّقوا النظر في عالم الوجود ثلاث مرّات ـ كحد أدنى ـ ويتدبّروا أسرار الخلق.
وعندما لا يجد أي خلل أو نقص في هذا النظام العجيب والمحيّر لخلق الكون ، فإنّ ذلك سيؤدّي إلى معرفة خالق هذا الوجود العظيم ومدى علمه وقدرته اللامتناهية ، مما يؤدي إلى عمق الإيمان به سبحانه والقرب من حضرته المقدسة.
«خاسىء : من مادة خسأ وخسوء على وزن (مدح ، وخشوع) وإذا كان مورد إستعمالها العين ، فيقصد بهما التعب والعجز ، أمّا إذا استعملت للكلب فيقصد منها طرده وإبعاده ؛ وحسير : من مادة حسر ، على وزن (قصر) بمعنى جعل الشيء عارياً ، وإذا ما