فقد الإنسان قدرته واستطاعته بسبب التعب ، فإنّه يكون عارياً من قواه ، لذا فإنّها جاءت بمعنى التعب والعجز. وبناءً على هذا فإنّ كلمتي (خاسىء) و (حسير) اللتين وردتا في الآية أعلاه ، تعطيان معنى واحداً في التأكيد على عجز العين ، وبيان عدم مقدرتها على مشاهدة أي خلل أو نقص في نظام عالم الوجود.
إنّ لهذه الآيات دلالة واضحة على دقّة النظام الكوني ، حيث معناها أنّ وجود النظام في كل شيء دليل على وجود العلم والقدرة على خلق ذلك الشيء.
ثم تتناول الآية التالية صفحة السماء التي يتجسّد فيها الجمال والروعة ، حيث النجوم المتلألئة في جوّ السماء ، المشعّة بضوئها الساحر في جمال ولطافة ، حيث يقول سبحانه : (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ).
وتؤكّد الآية الكريمة ـ مرّة اخرى ـ الحقيقة القائلة بأنّ جميع النجوم التي نشاهدها ما هي إلّا جزء من السماء الاولى ، والتي هي أقرب إلينا من أي سماء اخرى من السماوات السبع ، لذا اطلق عليها اسم (السماء الدنيا) أي السماء القريبة والتي هي أسفل جميع السماوات الاخرى.
(وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٦) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (٧) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (٩) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (١٠) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ) (١١)
كان الحديث في الآيات السابقة عن معالم العظمة والقدرة الإلهية ودلائلها في عالم الوجود ، أمّا في الآيات مورد البحث فإنّه تعالى يتحدث عن الأشخاص الذين يعرضون ويتنكّبون عن أدلّة الحق ، ويكابرون في تحدّي البراهين الدامغة ، ويسلكون طريق الكفر والشرك ، ويقذفون أنفسهم كالشياطين في اتون العذاب الإلهي. يقول تعالى في البداية : (وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبّهِمْ عَذَابَ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).
ثم يستعرض توضيحاً لهذا اللون من العذاب الرهيب فيقول تعالى : (إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِىَ تَفُورُ).