حدوث زلزلة لتدميركم ، بل يكفي أن نأمر عاصفة رملية لتدفنكم تحت رمالها ... وحينئذ ستعلمون حقيقة إنذاري وتهديدي : (فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ).
إنّ الآيات أعلاه تؤكّد أنّ عذاب العاصين والمجرمين لا ينحصر في يوم القيامة فقط ، حيث يستطيع الباريء عزوجل أن يقضي على حياتهم في هذه الدنيا بحركة بسيطة للأرض ، أو بحركة الرياح ، وإنّ أفضل دليل على هذه الإمكانية الإلهية هو وقوع مثل هذه الامور في الامم السابقة.
لذا فإنّ الله تعالى يقول في آخر آية من هذه الآيات : (وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ) (١).
نعم ، فلقد عاقبنا قسماً من هؤلاء بالزلازل المدمّرة ، وأقواماً آخرين بالصواعق ، وبالطوفان ، وبالرياح ... وبقيت مدنهم المدمّرة موضع درس واعتبار لمن كان له قلب واع.
(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (١٩) أَمْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (٢٠) أَمْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ) (٢١)
انظروا إلى الطير فوقكم : في الآيات الاولى لهذه السورة كان البحث عن قدرة الله سبحانه ومالكيته ، وعن السماوات السبع والنجوم والكواكب ... ويستمرّ هذا اللون من الحديث في أوّل آية ـ مورد البحث ـ وذلك بذكر مفردة اخرى من كائنات هذا الوجود ، والتي تبدو في ظاهرها صغيرة ويقول تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ).
هذه الأجسام بالرغم من قانون الجاذبية الأرضية تنطلق من الأرض وتحلّق ساعات في السماء بكل راحة ، وأحياناً أيّاماً وأسابيع وشهوراً ، وتستمر بحركتها السريعة المرنة وبدون أي مشاكل.
فمن يا ترى خلق أجسام هذه الطيور بهذه الصورة التي جعلها تستطيع السير في الهواء بكل سهولة وراحة؟
__________________
(١) نكير : بمعنى (الإنكار) وجاءت هنا كناية عن العقوبة ، لأنّ إنكار الله تعالى مقابل أفعال هؤلاء القوم جاءت عن طريق مجازاتهم.