ممّا كان له الأثر الكبير في يقظة الامم وهداية الإنسان ... وكان ذلك بواسطة (القلم).
لقد قسّمت حياة الإنسان إلى عصرين : (عصر التاريخ) و (عصر ما قبل التاريخ) وعصر تاريخ البشر يبدأ منذ أن إخترع الإنسان الخطّ واستطاع أن يدوّن قصة حياته وأحداثها على الصفحات.
وتتّضح عظمة هذا القسم بصورة أكثر عندما نلاحظ أنّ هذه الآيات المباركة حينما نزلت لم يكن هنالك كتاب ولا أصحاب قلم ، وإذا كان هنالك أشخاص يعرفون القراءة والكتابة ، فإنّ عددهم في كل مكة ـ التي تمثّل المركز العبادي والسياسي والاقتصادي لأرض الحجاز ـ لم يتجاوز ال (٢٠) شخصاً ، ولذا فإنّ القسم ب (القلم) في مثل ذلك المحيط له عظمة خاصة.
ثم يتطرق سبحانه لذكر الأمر الذي أقسم من أجله فيقول تعالى : (مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبّكَ بِمَجْنُونٍ).
إنّ الذين يتّهمون صاحب هذا العقل الجبّار بالجنون هم المجانين في الحقيقة ، إنّ إبتعادهم عن دليل الهداية وموجّه البشرية لهو الحمق بعينه.
ثم يضيف تعالى بعد ذلك : (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ). أي غير منقطع.
«ممنون : من مادة (منّ) بمعنى (القطع) ويعني الأجر والجزاء المستمرّ الذي لا ينقطع أبداً.
وتعرض الآية اللاحقة وصفاً آخر لرسول الله صلىاللهعليهوآله وذلك بقوله تعالى : (وَإِنَّك لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
تلك الأخلاق التي لا نظير لها ، ويحار العقل في سموّها وعظمتها من صفاء لا يوصف ، ولطف منقطع النظير ، وصبر واستقامة وتحمّل لا مثيل لها ، وتجسيد لمبادىء الخير حيث يبدأ بنفسه أوّلاً فيما يدعو إليه ، ثم يطلب من الناس العمل بما دعا إليه والالتزام به.
عندما دعوت ـ يا رسول الله ـ الناس لعبادة الله ، فقد كنت أعبد الناس جميعاً ، وإذ نهيتهم عن سوء أو منكر فإنّك الممتنع عنه قبل الجميع ، تقابل الأذى بالنصح ، والإساءة بالصفح ، والتضرّع إلى الله بهدايتهم ، وهم يؤلمون بدنك الطاهر رمياً بالحجارة ، واستهزاءاً بالرسالة ، وتقابل وضعهم للرماد الحارّ على رأسك الشريف بدعائك لهم بالرشد.
في تفسير مجمع البيان عن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : إنّما بعثت لُاتمّم مكارم الأخلاق.
وجاء في حديث آخر عنه صلىاللهعليهوآله قال : إنّ المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار.