(إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (١٧) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (١٨) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (٢٠) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (٢١) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (٢٢) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (٢٣) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (٢٤) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ) (٢٥)
قصة (أصحاب الجنة) : في الآيات أعلاه يستعرض لنا القرآن الكريم ـ بما يتناسب مع البحث الذي ورد في الآيات السابقة ـ قصة أصحاب الجنة ... فالآيات الكريمة تذكر لنا قصة مجموعة من الأغنياء كانت لهم جنّة (بستان مثمر) إلّاأنّهم فقدوها فجأة. يقول تعالى : (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ).
وموضوع القصة هو : أنّ شيخاً مؤمناً طاعناً في السنّ كان له بستان عامر ، يأخذ من ثمره كفايته ويوزّع ما فضل من ثمرته للفقراء والمعوزين ، وقد ورثه أولاده بعد وفاته ، وقالوا : نحن أحق بحصاد ثمار هذا البستان ، لأنّ لنا عيالاً وأولاداً كثيرين ، ولا طاقة لنا بإتّباع نفس الاسلوب الذي كان أبونا عليه ... ولهذا فقد صمّموا على أن يستأثروا بثمار البستان جميعاً ، ويحرموا المحتاجين من أي عطاء منها ، فكانت عاقبتهم كما تحدّثنا الآيات الكريمة عنه ..
يقول تعالى : (إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ).
«يصرمن من مادة صرم بمعنى حصد الفاكهة ، وبمعنى القطع المطلق.
(وَلَا يَسْتَثْنُونَ). أي : لا يتركون منها شيئاً للمحتاجين.
إنّ تصميمهم هذا ناشىء عن البخل وضعف الإيمان ، لأنّ الإنسان مهما اشتدّت حاجته ، فإنّه يستطيع أن يترك للفقراء شيئاً ممّا أعطاه الله.
ثم يضيف تعالى استمراراً لهذا الحديث : (فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مّن رَّبّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ).
لقد سلّط الله عليها ناراً حارقة ، وصاعقة مهلكة ، بحيث أنّ جنّتهم صارت متفحّمة سوداء : (فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ). ولم يبق منها شيء سوى الرماد.
«طائف : من مادة طواف وهي في الأصل بمعنى الشخص الذي يدور حول شيء معيّن ، كما تستعمل أحياناً كناية عن البلاء والمصيبة التي تحلّ في الليل ، وهذا المعنى هو المقصود هنا.