طريق الإنفاق في سبيل الله للفقراء والمحتاجين.
(قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَكُمْ لَوْلَا تُسَبّحُونَ).
ويستفاد مما تقدم أنّ أحدهم كان شخصاً مؤمناً ينهاهم عن البخل والحرص ، إلّاأنّهم كانوا لا يسمعون كلامه.
وتستيقظ ضمائرهم في تلك اللحظة ويعترفون بخطئهم وذنوبهم و (قَالُوا سُبْحَانَ رَبّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ).
إلّا أنّ المسألة لم تنته إلى هذا الحد ، حيث يقول تعالى : (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلوَمُونَ).
والملاحظ من منطوق الآية أنّ كل واحد منهم في الوقت الذي يعترف بذنبه ، فإنّه يلقي بأصل الذنب على عاتق الآخر ، ويوبّخه بشدّة.
نعم ، هكذا تكون عاقبة كل الظالمين عندما يصبحون في قبضة العذاب الإلهي ، ومع الإقرار بالذنب فإنّ كلاً منهم يحاول التنصّل ممّا لحق بهم ، ويسعى جاهداً لتحويل مسؤولية البؤس والدمار على الآخرين.
ثم يضيف تعالى : (قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ).
لقد اعترفوا في المرحلة السابقة بالظلم ، وهنا اعترفوا بالطغيان ، والطغيان مرحلة أعلى من الظلم.
وأخيراً ـ بعد عودة الوعي إلى ضمائرهم وشعورهم ، بل وإعترافهم بالذنب والإنابة إلى الله ـ توجّهوا إلى الباريء عزوجل داعين ، وقالوا : (عَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مّنْهَا إِنَّا إِلَى رَبّنَا رَاغِبُونَ). فقد توجّهنا إليه ونريد منه انقاذنا ممّا تورّطنا فيه ..
ويقول تعالى في آخر آية من هذه الآيات ، بلحاظ الإستفادة من هذا الدرس والإعتبار به : (كَذلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْأَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ).
وهكذا توجّه الآية خطابها إلى كل المغرورين ، الذين سحرهم المال وأبطرتهم الثروة والإمكانات المادية ، وغلب عليهم الحرص والاستئثار بكل شيء دون المحتاجين ... بأنّه لن يكون لكم مصير أفضل من ذلك.