وفي مقام الجواب يمكن أن نستفيد من بعض الأحاديث منها حديث عن النبي صلىاللهعليهوآله حيث يقول : يدني الله العبد يوم القيامة ، فيقرره بذنوبه كلّها ، حتى إذا رآى أنّه قد هلك. قال الله تعالى : إنّي سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ، ثم يعطى كتاب حسناته بيمينه (١).
(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (٢٦) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (٢٧) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ) (٢٩)
كان الحديث في الآيات السابقة عن (أصحاب اليمين) حيث صحائف أعمالهم بأيديهم اليمنى ، ويوجّهون نداءهم إلى أهل المحشر بكلّ فخر للإطّلاع على صحيفة أعمالهم وقراءتها ، ثم يدخلون جنّات الخلد حيث تكون مستقرّهم الأبدي. أمّا هذه الآيات فتستعرض الطرف المقابل لأصحاب اليمين وهم (أصحاب الشمال) وتقدم مقارنة بين المجموعتين ، حيث يقول تعالى : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِى لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ).
(وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ).
نعم ، في ذلك اليوم العظيم ، وعندما يواجهها يبدأ يجأر ويصرخ ويطلق الزفرات الساخنة المتلاحقة من الأعماق على المصير السيء الذي أوصل نفسه إليه ، والشرّ الذي جلبه عليها ، ويتمنّى أن يقطع علاقته بماضيه الأسود تماماً ، ويتمنّى أن يموت ويفنى ويتخلّص من هذه الفضيحة الكبيرة المهلكة ، ويعبّر عن هذا الشعور قوله تعالى : (وَيَقُولُ الكَافِرُ يَا لَيْتَنِى كُنتُ تُرَابًا) (٢).
ثم يضيف تعالى مستعرضاً إعتراف المجرمين بذنوبهم فيقول : (مَا أَغْنَى عَنّى مَالِيَهْ). فالأموال التي كنت أجمعها في الدنيا لم تنقذني الآن ولم تعنّي ولم تدفع عنّي الأهوال أو تحلّ مشاكلي.
(هَلَكَ عَنّى سُلْطَانِيَهْ) فليست أموالي لم تسعفني في هذه الشدة فحسب ، بل إنّ قدرتي ومقامي وسلطتي هي الاخرى هلكت وزالت عنّي.
القصة المثيرة : نقلت في هذا المجال قصص كثيرة تؤكّد على المفاهيم العامة التي احتوتها الآيات الكريمة أعلاه ، كموضع شاهد وعبرة وتأييد لما ذهبت إليه الآيات المباركات ،
__________________
(١) في ظلال القرآن ٨ / ٢٥٦.
(٢) سورة النبأ / ٤٠.