لتكون درساً لُاولئك الذين جعلوا (المال والسلطان) همّهم الأوّل ، وانغمسوا حتى الأذقان في الغفلة والغرور والذنوب من أجلهما ، ومن جملتها ما يلي :
في سفينة البحار عن كتاب النصائح لابن ظفر أنّه لمّا اشتدّ مرض الرشيد بطوس ، احضر طبيباً طوسياً فارسيّاً وأمر أن يعرض عليه مائه مع مياه كثيرة لمرضى وأصحاء فجعل يستعرض القوارير حتى رآى قارورة الرشيد فقال : قولوا لصاحب هذه الماء يوصى فإنّه قد انحلّت قواه وتداعت بنيته فاقيم وأمر بالذّهاب فدهب ويئس الرشيد من نفسه وتمثّل قائلاً :
إنّ الطبيب بطبّه ودوائه |
|
لا يستطيع دفاع نَحب قد أتى |
ما للطبيب يموت بالدّاء الذي |
|
قد كان يُبرئ مثله فيما مضى |
وبلغه أنّ الناس أرجفوا بموته فاستدعى بحمار وأمر فحمل عليه فاسترخت فخذاه فقال : انزلوني صدق المرجفون ثم استدعى بأكفان فتخير منها ما أعجبه وأمر فشقّ له قبر أمام فراشه ثم اطّلع فيه فقال : (مَا أَغْنَى عَنّى مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنّى سُلْطَانِيَهْ) فتوفى في يومه.
(خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ (٣٢) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ (٣٣) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (٣٤) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (٣٥) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (٣٧)
خذوه فغلّوه : استمراراً للآيات السابقة التي كانت تتحدث عن (أصحاب الشمال) الذين يستلمون صحائف أعمالهم بأيديهم اليسرى ، فتنطلق الآهات والأنّات ، ويتمنّى أحدهم الموت ، يشير تعالى في الآيات أعلاه إلى قسم من العذاب الذي يلاقونه يوم القيامة فيقول : (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ). غلّوه : من مادة (غلّ) ، والمراد هو السلسلة التي كانوا يربطون بها أيدي وأرجل المجرمين إلى أعناقهم مقترن بالكثير من المشقة والألم.
(ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِى سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ).
«السلسلة : في الأصل مأخوذة من مادة تسلسل بمعنى الإهتزاز والإرتعاش ، لأنّ حلقات السلسلة الحديدية تهتزّ وتتحرك.
إنّ هذه السلاسل الطويلة ليست لشخص واحد ، بل لمجاميع يربط كل منها بسلسلة.
«ذراع : بمعنى الفاصلة بين الساعد ونهاية الأصابع ، (وقياسها بحدود نصف متر) وكانت وحدة الطول المستعملة عند العرب ، وهي قياس طبيعي.