القرآن كلام الله قطعاً : بعد الأبحاث التي مرّت بنا في الآيات السابقة حول القيامة وما أعدّه الله سبحانه للمؤمنين والكفار ، يبيّن الباريء عزوجل في هذه الآيات بحثاً وافياً حول القرآن والنبوّة ، ليكون البحثان (النبوّة) و (المعاد) كلّاً منهما مكمّلاً للآخر. يقول تعالى في البداية : (فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لَاتُبْصِرُونَ). وهذه الجملة لها معنىً واسع ، حيث تشمل كل ما يراه البشر وما لا يراه. وبعبارة اخرى : تشمل كل عالم (الشهود) و (الغيب).
ثم تستعرض الآية اللاحقة جواب هذا القسم العظيم ، حيث يقول تعالى بأنّ هذا القرآن هو قول رسول كريم : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ).
والمقصود من الرسول هنا ـ بدون شك ـ هو الرسول الكريم صلىاللهعليهوآله وليس جبرائيل.
والآية ذكرت كلمة رسول وهذا يعني أنّ كل ما يقوله الرسول فهو قول مرسله.
ثم يضيف تعالى : (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ).
تنفي هاتان الآيتان ما نسبه المشركون والمخالفون من تهم باطلة لرسول الله صلىاللهعليهوآله إذ كانوا يقولون أحياناً : إنّه (شاعر) وإنّ هذه الآيات من شعره ، كما كانوا يقولون أحياناً : إنّه (كاهن) وإنّ الذي يقوله هو (كهانة).
الشعر في الغالب وليد الخيال ، ومعبّر عن الأحاسيس الجياشة في النفوس ، ولهذا فإنّه يجسّد حالة عدم الإستقرار وعدم التوازن صعوداً ونزولاً ، شدّة وإنخفاضاً ، في الوقت الذي نلاحظ أنّ القرآن الكريم ، وهو يمثّل قمّة الروعة والجاذبية ، فإنّه كتاب استدلالي ومنطقي في عرضه للمفاهيم ، وعقلاني في محتواه ، وما فيه من التنبّؤ المستقبلي لا يشكّل قاعدة أساسية للقرآن الكريم ، بالإضافة إلى أنّها صادقة جميعاً بخلاف ما عليه تنبّؤ الكهنة.
ويقول سبحانه في آخر آية ـ مورد البحث ـ كتأكيد على هويّة القرآن الربانية : (تَنزِيلٌ مّن رَّبّ الْعَالَمِينَ). وبناءً على هذا فإنّ القرآن الكريم ليس بشعر ولا كهانة ، وليس هو إنتاج فكر الرسول ، ولا قول جبرائيل ... بل إنّه كلام الله سبحانه ، حيث نزل بواسطة الوحي على القلب الطاهر لرسول الله صلىاللهعليهوآله.
(وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (٤٧) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (٤٨) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (٤٩) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (٥٠) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (٥١) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (٥٢)