لَكُم مّن ذُنُوبِكُمْ).
ثم يضيف : (وَيُؤَخّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذَا جَاءَ لَايُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ).
يستفاد جيداً من هذه الآية أنّ الأجل وموعد عمر الإنسان قسمان ، هما : الأجل المسمّى ، والأجل النهائي. أو بعبارة اخرى : الأجل المعلق ، والأجل الحتمي. القسم الأوّل للأجل قابل للتغير والتبديل ، فقد يتدنى ويقل عمر الفرد كثيراً بسبب الذنوب والأعمال السيئة وهذا نوع من أنواع العذاب الإلهي ، وبالعكس فإنّ التقوى وحسن العمل والتدبير يمكن أن تكون سبباً لتأخير الأجل ، ولكن الأجل النهائي لا يتغير بأي حال من الأحوال.
وفي الروايات الإسلامية أيضاً تأكيد على هذا المعنى ، منها ما ورد ـ في الأمالي الشيخ الطوسي ـ عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال : من يموت بالذنوب أكثر ممّن يموت بالآجال ، ومن يعيش بالإحسان أكثر ممن يعيش بالأعمار.
(قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً (٥) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً (٦) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً (٧) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً (٨) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً) (٩)
استخدام مختلف الوسائل لهدايتهم ، ولكن : تتحدث هذا الآيات عن استمرار مهمّة نوح في دعوته قومه ولكن هذه المرّة جاء الحديث على لسانه مخاطباً ربّه وشاكياً إليه أمره معهم بعبارة مؤثّرة بليغة. خطاب نوح عليهالسلام في هذا الإطار يمكن أن يعبّد الطريق لكل المبلغين الرساليين : (قَالَ رَبّ إِنّى دَعَوْتُ قَوْمِى لَيْلاً وَنَهَارًا).
وإنّني لم أتوانى لحظة واحدة في إرشادهم وإبلاغ الرسالة لهم ، ثم يقول : (فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَاءِى إِلَّا فِرَارًا).
ومن العجيب أن تكون الدعوة سبباً لفرارهم ، ولكن بما أنّ كل دعوة تحتاج إلى نوع من الإستعداد وصفاء القلب والتجاذب المتبادل فليس عجيباً أن يكون هنا أثر معاكس في القلوب الخاملة.
ثم إنّ نوحاً عليهالسلام يضيف : (وَإِنّى كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِىءَاذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا).