ولكي لا يسمعوا صوت الحق كانوا يضعون أصابعهم في آذانهم ، ويلفون ثيابهم حول أنفسهم أو يضعونها على رؤوسهم لئلا تصل أمواج الصوت إلى أدمغتهم! وربّما كانوا يتقنعون لئلا تقع أعينهم على الهيئة الملكوتية لهذا النبي العظيم ، وكانوا يصرون على أن تتوقف الآذان عن السماع والعيون عن النظر.
هذه الآية يشير إلى أحد الأسباب المهمة لتعاستهم وهو الغرور والتكبر ، فكان هذا الغرور والكبر أحد الموانع المهمة والدائمة في طريق الحق ، ونحن نشاهد النتائج المشؤومة لذلك على طول التاريخ في حياة اناس لا إيمان لهم.
واستمر نوح عليهالسلام في حديثه عند المقام الإلهي ، فيقول : (ثُمَّ إِنّى دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا).
ثم لم أكتفي بهذا : (ثُمَّ إِنّى أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا).
كان صبره عجيباً ، والأعجب ما فيه رأفته ، وكانت همته واستقامته الفريدة رأس ماله في السير في طريق الدعوة إلى دين الحق.
والأعجب من ذلك هو أنّ طيلة دعوته التي دامت (٩٥٠) عاماً لم يؤمن به إلّاثمانون شخصاً.
(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (١٠) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً (١١) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً (١٢) مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً (١٣) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً)(١٤)
ثمرة الإيمان في الدنيا : يستمر نوح عليهالسلام في تبليغه المؤثر لقومه المعاندين العصاة ، ويعتمد هذه المرّة على عامل الترغيب والتشجيع ، ويوعدهم بانفتاح أبواب الرحمة الإلهية من كل جهة إذا ما تابوا من الشرك والخطايا ، فيقول : (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا).
ولا يطهركم من الذنوب فحسب بل : (يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا) (١).
ثم يضيف : (وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا). وبهذا فإنّه وعدهم بنعمة معنوية كبيرة ، وبخمس نعم اخرى مادية كبيرة ، والنعمة المعنوية الكبيرة هي
__________________
(١) مدراراً : من أصل درّ وتعني في الأصل انسكاب الحليب من ثديي الام ويعطي معنى هطول الأمطار.