غفران الذنوب والتطهير من درن الكفر والعصيان ، وأمّا النعم المادية فهي هطول الأمطار المفيدة والمباركة في حينها ، كثرة الأموال ، كثرة الأولاد (الثروات الإنسانية) ، الحدائق المباركة والأنهار الجارية.
نعم ، إنّ الإيمان والتقوى يبعثان على عمران الدنيا والآخرة بشهادة القرآن المجيد.
ويعود نوح عليهالسلام مرّة اخرى لينذرهم ، فيقول : (مَّا لَكُمْ لَاتَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) (١). ولا تخافون عقابه وقد خلقكم في مراحل مختلفة. ويقول أيضاً : (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا).
كنتم في البداية نطفة لا قيمة لها ، ثم صوركم علقة ثم مضغة ، ثم وهبكم الشكل الإنساني ، ثم ألبسكم لباس الحياة ، فوهب لكم الروح والحواس والحركة.
وليست أجسامكم هي المتغيرة فقط بل إنّ الروح هي أيضاً في تغيّر مستمر ، لكل منكم استعداده الخاص. وعلى هذا فإنّه معكم في كل مكان هو يهديكم في كل خطوة ويشملكم بلطفه وعنايته ، فلم كل هذا الكفران والإستهانة.
(أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً (١٥) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً (١٦) وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً (١٧) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً (١٨) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطاً (١٩) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً) (٢٠)
كان نوح عليهالسلام يبيّن للمشركين المعاندين حقائق عميقة ومستدلة ، إذ كان يأخذ بهم إلى أعماق وجودهم ليشاهدوا حقائق هذه الآيات (كما مرّ في الآيات السابقة) ودعاهم إلى ما خلق الله من علامات في هذا العالم الكبير ، فكان يسير بهم إلى تلك الآفاق.
يبدأ أوّلاً بالسماء فيقول : (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَموَاتٍ طِبَاقًا).
«طباقاً : مصدر من باب (مفاعلة) بمعنى مطابقة ، وأحياناً تأتي بمعنى وضع الشيء فوق شيء آخر ، وتأتي أحياناً اخرى بمعنى مطابقة ومماثلة شيئين أحدهما مع الآخر ، والمعنيان يصدقان هنا.
__________________
(١) الوقار : الثقل والعظمة ؛ وترجون : من أصل رجاء بمعنى الأمل وهو ملازم للخوف ، ومعنى الآية لماذا لاتخضعون لعظمة الله تعالى.