ثم يضيف عن لسان نوح عليهالسلام : (وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَللاً).
المراد من زيادة الضلال للظالمين هو الدعاء بسلب التوفيق الإلهي منهم ليكون سبباً في تعاستهم ، أو أنّه دعاء منه أن يجازيهم الله بكفرهم وظلمهم ويسلبهم نور الإيمان ، ولتحلّ محله ظلمة الكفر.
وبالتالي فإنّ الآية الأخيرة في البحث ، يقول الله تعالى فيها : (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مّن دُونِ اللهِ أَنصَارًا).
تشير الآية إلى ورودهم النار بعد الطوفان ، وممّا يثير العجب هو دخولهم النار بعد الدخول في الماء! وهذه النار هي نار البرزخ ، لأنّ بعض الناس يعاقبون بعد الموت ، وذلك في عالم البرزخ كما هو ظاهر في سياق بعض الآيات القرآنية ، وكذا ذكرت الروايات أنّ القبر إمّا روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النيران.
(وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً (٢٦) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً (٢٧) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً) (٢٨)
على الفاسدين والمفسدين أن يرحلوا : هذه الآيات تشير إلى استمرار نوح عليهالسلام في حديثه ودعائه عليهم فيقول تبارك وتعالى : (وَقَالَ نُوحٌ رَّبّ لَاتَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا).
دعا نوح عليهالسلام بهذا الدعاء عندما يئس من هدايتهم بعد المشقّة والعناء في دعوته إيّاهم ، فلم يؤمن إلّاقليل منهم.
والتّعبير ب على الأرض يشير إلى أنّ دعوة نوح عليهالسلام كانت تشمل العالم ، وكذا مجيء الطوفان والعذاب بعده.
ثم يستدل نوح عليهالسلام للعنه القوم فيقول : (إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا). وهذا يشير إلى أنّ دعاء الأنبياء ومن بينهم نوح عليهالسلام لم يكن ناتجاً عن الغضب والإنتقام والحقد ، بل إنّه على أساس منطقي.