التّفسير
القرآن العجيب : يقول الله تعالى : (قُلْ أُوحِىَ إِلَىَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مّنَ الْجِنّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًا عَجَبًا).
يعلم من مفهوم الآية أنّ للجن عقلاً وشعوراً وفهماً وإدراكاً ، وأنّهم مكلّفون ومسؤولون ، ولهم المعرفة باللغات ويفرقون بين الكلام الخارق للعادة بين الكلام العادي ، وبين المعجز وغير والمعجز ، ويجدون أنفسهم مكلّفين بإيصال الدعوة إلى قومهم ، وأنّهم هم المخاطبون في القرآن المجيد.
إنّ لهم الحق في أن يحسبوا هذا القرآن عجباً ، لِلَحنِه العجيب ، ولجاذبية محتواه ، ولتأثيره العجيب ، ولمن جاء به والذي لم يكن قد درس شيئاً وقد ظهر من بين الاميين.
لقد تحدثوا لقومهم بحديث آخر تبيّنه السورة في (١٢) آية ، وكل منها تبدأ ب (أن) وهي دلالة على التأكيد.
فيقول أوّلاً بأنّهم قالوا : (يَهْدِى إِلَى الرُّشْدِ فَامَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبّنَا أَحَدًا).
وبعد إظهار الإيمان ونفي الشرك بالله تعالى ينتقل كلامهم إلى تبيان صفات الله تعالى : (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا).
«جد : لها معانٍ كثيرة في اللغة ، منها : العظمة ، والشدّة ، والجد ، والقسمة ، والنصيب. وأمّا المعنى الحقيقي فهو القطع ، وتأتي بمعنى العظمة إذا كان هناك كائن عظيم منفصل بذاته عن بقية الكائنات.
ثم قالوا : (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللهِ شَطَطًا). أي أنّ سفهاءنا قالوا : إنّ لله زوجة وأطفالاً ، واتّخذ لنفسه شريكاً وشبيهاً ، وإنّه قد انحرف عن الطريق ، وكان يقول شططاً.
واحتمل بعض المفسرين أنّ السفيه هنا له معنى انفرادي ، والمقصود به هو ابليس الذي نسب إلى الله نسب ركيكة ، وذلك بعد مخالفته لأمر الله.
ولمّا كان ابليس من الجن ، وكان قد بدا منه ذلك ، اشمأز منه المؤمنون من الجن واعتبروا ذلك منه شططاً ، وإن كان عالماً وعابداً.
«شطط : على وزن وسط ، وتعني الخروج والإبتعاد عن قول الحق.
ثم قالوا : (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِبًا).
لعلّ هذا الكلام اشارة إلى التقليد الأعمى للغير ، حيث كانوا يشركون بالله وينسبون