وفي هذه الآيات يتحدث عن ثوابهم الدّنيوي فيقول : (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا).
ننزل عليهم مطر رحمتنا ، ونذلل لهم منابع وعيون الماء الذي يهب الحياة وبوجود الماء يوجد كل شيء وعلى هذا فإنّنا نشلمهم بأنواع النعم.
القرآن المجيد أكّد ولعدّة مرات على أنّ الإيمان والتقوى ليست فقط منبعاً للبركات المعنوية ، بل تودّي إلى زيادة الأرزاق والنعم والعمران ، أي (البركة المادية).
الملاحظ حسب هذا البيان أنّ سبب زيادة النعمة هو الإستقامة على الإيمان ، وليس أصل الإيمان ، لأنّ الإيمان المؤقت لا يستطيع أن يظهر هذه البركات.
والآية الاخرى إشارة إلى حقيقة اخرى بنفس الشأن ، فيضيف : (لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ).
ومن هنا يتّضح أنّ وفور النعمة من إحدى الأسباب المهمة في الإمتحان الإلهي ، وما يُتفق عليه هو أنّ الإختبار بالنعمة أكثر صعوبة وتعقيداً من الإختبار بالعذاب ، لأنّ طبيعة ازدياد النعم هو الإنحلال والكسل والغفلة ، والغرق في الملذات والشهوات ، وهذا ما يُبعد الإنسان عن الله تعالى ويُهييء الأجواء لمكائد الشيطان ، والذين يستطيعون أن يتخلصوا من شراك النعم الوافرة هم الذاكرون لله على كل حال ، غير الناسين له تعالى.
ولذا يضيف تعقيباً على ذلك : (وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا).
«صعد : على وزن (سفر) وتعني الصعود إلى الأعلى ، وأحياناً الشِعب المتعرجة في الجبل ، وبما أنّ الصعود من الشعاب المتعرجة عمل شاق ، فإنّ هذه اللفظة تستعمل بمعنى الامور الشّاقة.
ولكن ، مع أنّ التعبير أعلاه يبيّن كون هذا العذاب شاقّاً شديداً فإنّه يحتمل أن يشير إلى اليوم الطويل ، وعلى هذا الأساس فإنّه يبيّن في الآيات أعلاه رابطة الإيمان والتقوى بكثرة النعم من جهة ، ورابطة كثرة النعم بالاختبارات الإلهية من جهة اخرى ورابطة الإعراض عن ذكر الله تعالى بالعذاب الشاق الطويل من جهة ثالثة.
وقال مؤمنو الجن في الآية الاخرى وهم يدعون إلى التوحيد : (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا).
المراد بالمساجد هي المواطن التي يُسجد فيها لله تعالى كالمسجد الحرام وبقية المساجد ، وبشكل أعم هي الأرض التي يصلّى فيها ويسجد عليها ، وهو مصداق قول الرسول