ذمّه أهل البصرة حيث يقول : كأنّي بمسجدكم كجؤجؤ لسفينة قد بعث الله عليها العذاب من فوقها ومن تحتها وغرق من في ضمنها.
وما قاله كميل بن زياد للحجاج أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام قد أخبرني بأنّك قاتلي (١).
أمّا كيف نجمع بين هذه الآيات والروايات التي ينفي بعضها علم الغيب لغير الله وإثبات البعض الآخر لغيره تعالى؟ هناك طرق مختلفة للجمع بينها :
١ ـ أشهر طرق الجمع هو أنّ المراد من اختصاص علم الغيب بالله تعالى هو العلم الذاتي والإستقلالي ، ولهذا لا يعلم الغيب إلّاهو ، وما يعلمونه فهو من الله ، وذلك بلطفه وعنايته.
٢ ـ أسرار الغيب قسمان : قسم خاص بالله عزوجل لا يعلمه إلّاهو كقيام الساعة ، وغيرها ممّا يشابه ذلك ، والقسم الآخر علّمه الأنبياء والأولياء ، كما جاء في الخطبة (١٢٨) نهج البلاغة حيث يقول علي عليهالسلام : وإنّما علم الغيب علم الساعة ، وما عدّده الله سبحانه بقوله : (إِنَّ اللهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىّ أَرْضٍ تَمُوتُ) الآية. ثم أضاف الإمام عليهالسلام في شرح هذا المعنى :
«فيعلم الله سبحانه ما في الأرحام من ذكر أو انثى وقبيح أو جميل ، وسخيّ أو بخيل ، وشقيّ أو سعيد ، ومن يكون في النار حطباً ، أو في الجنان للنّبيّين مرافقاً فهذا علم الغيب الّذي لا يعلمه أحد إلّاالله وما سوى ذلك فعلم علّمه الله نبيّه فعلّمنيه.
يمكن لبعض الناس أن يعلموا بزمان وضع الحمل أو نزول المطر ومثل ذلك علماً إجمالياً ، وأمّا العلم التفصيلي والتعرف على هذه الامور فهو خاص بذات الله تعالى المقدسة وإنّ علمنا بشأن يوم القيامة هو علم إجمالي ونجهل جزئيات وخصوصيات يوم القيامة.
وإذا كان النبي صلىاللهعليهوآله أو الأئمة المعصومون عليهمالسلام قد أخبروا البعض في أحاديثهم عمّن يولد أو عمن ينقضي عمره ، فذلك يتعلق بالعلم الإجمالي.
٣ ـ والطريق الآخر هو أنّ الله تعالى يعلم بكل أسرار الغيب ، وأمّا الأنبياء والأولياء فإنّهم لا يعلمونها كلّها ، ولكنّهم إذا ما شاءوا ذلك أعلمهم الله تعالى بها ، وبالطبع هذه الإرادة لا تتمّ إلّابإذن الله تعالى.
ومحصلة ذلك أنّ الآيات والروايات التي تقول إنّهم لا يعلمون بالغيب هي إشارة إلى
__________________
(١) الإصابة لابن حجر ٥ / ٤٨٦.