«الناشئة : من مادة نشأ وتعني الحادثة ، وقد ذكر هنا ثلاثة تفاسير لما يراد منها.
الأوّل : المراد به ساعات الليل الحادثة بالتوالي.
والثاني : إنّ المراد هو إحياء الليل بالصلاة والعبادة وقراءة القرآن.
والثالث : الحالات المعنوية والروحية والنشاط والجذوة الملكوتية التي تحصل في القلب الإنسان وروحه في هذه الساعات الخاصّة بالليل ، والتي تكون آثارها في روح الإنسان أعمق واستمرارها أكثر ، والتّفسيران الثاني والثالث متلازمان ، ويمكن جمعها في ما يراد بمعنى الآية.
والتعبير ب (أَشَدُّ وَطًا) : التأثيرات الثابتة والراسخة الحاصلة من شعاع هذه العبادات في روح الإنسان.
«أقوم : من القيام ، ويراد بكونها أثبت للقول وأصوب لحضور القلب.
«قيلاً : تعني القول ، وتشير هنا إلى ذكر الله وقراءة القرآن.
إنّ هذه الآية من الآيات التي تحتوي على أبلغ الأحاديث حول العبادة الليلية ، ورمز إظهار المحبة مع المحبوب في ساعات يختلي فيها الحبيب بحبيبه وأكثر من غيرها.
ويضيف في الآية الاخرى : (إِنَّ لَكَ فِى النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلاً).
أي إنّك مشغول بهداية الخلق وإبلاغ الرسالة وحلّ المشاكل المتنوعة ، ولا مجال لك بالتوجه التام إلى ربّك والإنقطاع إليه بالذكر ، فعليك بالليل والعبادة فيه.
وهناك معنى أدق وتفسير يناسب الآيات السابقة أيضاً هو : أنّك تتحمل في النهار مشاغل ثقيلة ومساعي كثيرة ، فعليك بعبادة الليل لتقوى بها روحك وتستعد للفعاليات والنشاطات الكثيرة في النهار.
وبعد الإشارة إلى العبادة الليلية ، والإشارة الإجمالية إلى الآثارها العميقة يذكّر القرآن بخمسة أوامر اخرى مكملة لتلك فيقول : (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبّكَ).
والطبيعي أنّ المراد ليس ذكر الإسم فحسب ، بل التوجه إلى المعنى ، لأنّ الذكر اللفظي مقدمة للذكر القلبي ، والذكر القلبي يبعث على صفاء القلب والروح ويروي منهل المعرفة والتقوى في القلب.
ويقول في الأمر الثاني : (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً).
«التبتل : من البتل على وزن (حتم) ، وتعني في الأصل الإنقطاع ، ولهذا سمّيت مريم