فاقرؤوا ما تيسّر من القرآن : هذه الآية هي من أطول آيات هذه السورة وتشتمل على مسائل كثيرة ، وهي مكملة لمحتوى الآيات السابقة ، فيقول تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثِىَ الَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدّرُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ).
الآية تشير إلى نفس الحكم الذي أمر به الرسول صلىاللهعليهوآله في صدر السورة من قيام الليل والصلاة فيه ، وما اضيف في هذه الآية هو اشتراك المؤمنين في العبادة مع النبي صلىاللهعليهوآله (بصيغة حكم استحبابي أو باحتمال حكم وجوبي) ، لأنّ ظروف صدر الإسلام كانت تتجاوب مع بناء ذواتهم والإستعداد للتبليغ والدفاع عنه بالدروس العقائدية المقتبسة من القرآن المجيد ، وكذا بالعمل والأخلاق وقيام الليل ، ولكن يستفاد من بعض الروايات أنّ المؤمنين كانوا قد وقعوا في إشكالات ضبط الوقت للمدة المذكورة (الثلث والنصف والثلثين) ولذا كانوا يحتاطون في ذلك ، وكان ذلك يستدعي إستيقاظهم طول الليل والقيام حتى تتورم أقدامهم ، ولذا بُني هذا الحكم على التخفيف ، فقال : (عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءَانِ).
ثم يبيّن دليلاً آخراً للتخفيف فيضيف تعالى : (عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَءَاخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِى الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللهِ وَءَاخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ).
وهذا تخفيف آخر كما قلنا في الحكم ، ولذا يكرر قوله : (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ).
والواضح أنّ المرض والأسفار والجهاد في سبيل الله ذكرت بعنوان ثلاثة أمثلة للأعذار الموجهة ولا تعني الحصر ، والمعنى هو أنّ الله يعلم أنّكم سوف تلاقون كثيراً من المحن والمشاكل الحياتية ، وبالتالي تؤدّي إلى قطع المنهج الذي امرتم به ، فلذا خفف عليكم الحكم.
إنّ وجوب القراءة في صدر الإسلام لوجود الظروف الخاصة لذلك ، واعطي التخفيف بالنسبة للمقدار والحكم ، وظهر الإستحباب بالنسبة للمقدار الميسر.
يستفاد من الروايات الإسلامية إنّ فضائل قراءة القرآن في حسن القراءة والتدبر والتفكر فيها. وفي تفسير مجمع البيان : روي عن الإمام الرضا عليهالسلام عن أبيه عن جده صلىاللهعليهوآله قال : «ما تيسّر منه لكم فيه خشوع القلب وصفاء السر.
ثم يشير إلى أربعة أحكام اخرى ، وبهذه الطريقة يكمل البناء الروحي للإنسان فيقول : (وَأَقِيمُوا الصَّلَوةَ وَءَاتُوا الزَّكَوةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدّمُوا لِأَنفُسِكُم مّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).