بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
(هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (١) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً (٢) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (٣) إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالاً وَسَعِيراً) (٤)
تتحدث الآيات الاولى عن خلق الإنسان ، بالرغم من أنّ أكثر بحوث هذه السورة هي حول القيامة ونعم الجنان ، فتحدثت في البدء عن خلق الإنسان ، لأنّ التوجه والإلتفات إلى هذا الخلق يهييء الأرضية للتوجه إلى القيامة والبعث كما شرحنا ذلك سابقاً في تفسير سورة القيامة. فيقول تعالى : (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسنِ حِينٌ مّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيًا مَّذْكُورًا).
والمراد من الإنسان هنا هو نوع الإنسان ، ويشمل بذلك عموم البشر.
ثم يأتي خلق الإنسان بعد هذه المرحلة ، واعتبار ذكره ، فيقول تعالى : (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسنَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنهُ سَمِيعًا بَصِيرًا).
ولعلّ ذكر خلق الإنسان من النطفة المختلطة إشارة إلى اختلاط ماء الذكور والإناث ، وقد اشير إلى ذلك في روايات المعصومين عليهمالسلام بصورة إجمالية ؛ أو أنّها إشارة إلى القابليات المختلفة الموجودة داخل النطفة من ناحية العوامل الوراثية عن طريق الجينات ؛ أو أنّها إشارة إلى اختلاط المواد التركيبية المختلفة للنطفة ، لأنّها تتركب من عشرات المواد المختلفة ، أو اختلاط جميع ذلك مع بعضها البعض ، والمعنى الأخير أجمع وأوجه.
«نبتليه : إشارة إلى وصول الإنسان إلى مقام التكليف والتعهد وتحمل المسؤولية والإختبار والإمتحان.
وبما أنّ الإختبار والتكليف لا يتمّ إلّابعد الحصول على المعرفة والعلم فقد أشار في آخر الآية إلى وسائل المعرفة ، العين والاذن التي أودعها سبحانه وتعالى في الإنسان وسخرها له.
إنّ اختبار الإنسان بحاجة إلى عاملين آخرين ، هما : الهداية والإختبار بالإضافة إلى المعرفة ووسائلها ، فقد أشارت الآية التالية إلى ذلك : (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا). إنّ للهداية هنا معنى واسعاً ، فهي تشمل الهداية التكوينية والهداية الفطرية وكذلك الهداية التشريعية وإن كان سياق الآية يؤكّد على الهداية التشريعية.