ثم يشير هنا إشارة معبّرة وقويّة في كيفية العذاب الذي إبتلوا به وصبّ عليهم حيث يقول سبحانه : (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ).
إنّ تعبير إنفتاح أبواب السماء لتعبير رائع جدّاً ، ويستعمل عادةً عند هطول الأمطار الغزيرة.
«منهمر : من مادة همر على وزن (صبر) وتعني النزول الشديد للدموع أو الماء.
ويذكر أنّ الماء الذي أدّى إلى الطوفان لم يكن من هطول الأمطار فقط ، بل كان من تفجير العيون في الأرض ، حيث يقول تعالى : (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا). وهكذا إختلط ماء السماء بماء الأرض بمقدار مقدّر وملأ البسيطة : (فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ).
وتترك الآيات الكريمة مسألة الطوفان ، لأنّ ما قيل فيها من الآيات السابقة يعتبر كافياً فتنتقل إلى سفينة نجاة نوح عليهالسلام حيث يقول تعالى : (وَحَمَلْنهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ).
«دسر : جمع دِسار بمعنى الإبعاد أو النهر بشدة مقترناً مع حالة عدم الرضا.
فإنّ التعبير القرآني هنا ظريف ، لأنّه كما يقول الباريء عزوجل بأنّنا وفي وسط ذلك الطوفان العظيم ، الذي غمر كل شيء أودعنا أمر نجاة نوح وأصحابه إلى مجموعة من المسامير وقطع من الخشب ، وهكذا تتجلّى القدرة الإلهية العظيمة.
ويشير سبحانه إلى لطف عنايته للسفينة المخصّصة لنجاة نوح عليهالسلام حيث يقول سبحانه :
(تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا). أي أنّ هذه السفينة تسير بالعلم والمشيئة الإلهية ، وتشقّ الأمواج العالية بقوّة وتستمر في حركتها تحت رعايتنا وحفظنا.
ثم يضيف تعالى : (جَزَاءً لّمَن كَانَ كُفِرَ).
إنّ نوح عليهالسلام كسائر الأنبياء الإلهيين يعتبر نعمة إلهية عظيمة وموهبة من مواهبه الكبيرة على البشرية ، إلّاأنّ قومه الحمقى كفروا به وبرسالته.
ثم يقول سبحانه وكنتيجة لهذه القصة العظيمة موضع العظّة والاعتبار : (وَلَقَد تَّرَكْنَاهَاءَايَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ).
وفي الآية اللاحقة يطرح الله سبحانه سؤالاً معبّراً ومهدّداً للكافرين الذين اتّبعوا نفس المنهج الذي كان عليه قوم نوح حيث يقول سبحانه : (فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ).
هل هذه حقيقة واقعة ، أم قصة واسطورة؟
ويضيف مؤكّداً هذه الحقيقة في آخر الآية مورد البحث في قوله تعالى : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ).