إنّ هذا الكتاب العظيم الخالي من التعقيد والمجسّد لعناصر التأثير من حيث عذوبة ألفاظه وجاذبيتها ، وطبيعة قصصه الواقعية ذات المحتوى الغزير ... لذا فإنّ القلوب المهيأة لقبول الحق والمتفاعلة مع منطق الفطرة والمستوعبة لمنهج العقل تنجذب بصورة متميّزة ، والشاهد على هذا أنّ التاريخ الإسلامي يذكر لنا قصصاً عديدة عجيبة محيّرة من حالات التأثير العميق الذي يتركه القرآن الكريم على القلوب الخيّرة.
(كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (١٨) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (١٩) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (٢٠) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (٢١) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (٢٢)
مصير قوم عاد : تستعرض الآيات الكريمة أعلاه نموذج آخر من الكفار والمجرمين بعد قوم نوح ، وهم (قوم عاد) وذلك كتحذير لمن يتنكّب طريق الحق والهداية الإلهية.
وتبدأ فصول أخبارهم بقوله تعالى : (كَذَّبَتْ عَادٌ).
لقد بذل هود عليهالسلام غاية جهده في توعية قومه وتبليغهم بالحق الذي جاء به من عند الله ، وكان عليهالسلام كلّما ضاعف سعيه وجهده لإنتشالهم من الكفر والضلال إزدادوا إصراراً ونفوراً ولجاجة في غيّهم وغرورهم الناشىء من الثراء والإمكانات المادية ، بالإضافة إلى غفلتهم نتيجة إنغماسهم في الشهوات ، جعلتهم صمّ الآذان ، عمي العيون ، فجازاهم الله بعقاب أليم ، ولهذا تشير الآية الكريمة باختصار حيث يقول سبحانه : (فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ).
كما نلاحظ التفصيل في الآيات اللاحقة بعد هذا الإجمال حيث يقول سبحانه : (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِى يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ).
«صرصر : من مادة صرّ على وزن (شرّ) ، وفي الأصل تعني (الإغلاق والإحكام) ويأتي تكرارها في هذا السياق للتأكيد ، ولأنّ الرياح التي عذّبوا بها كانت باردة وشديدة ولاذعة ومصحوبة بالأزيز ، لذا اطلق عليها (صرصر).
«نحس : ففي الأصل معناها (الإحمرار الشديد) الذي يظهر في الافق أحياناً ، كما يطلق العرب أيضاً كلمة (نحاس) على وهج النار الخالية من الدخان ، ثم أطلق هذا المصطلح على كل (شؤم) مقابل (السعد).
«مستمر صفة ل (يوم) أو ل (نحس) ومفهومه في الحالة الاولى هو استمرار حوادث