وتشرع الآيات بالإشارة إلى نعمة الأرض ، فتقول : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا).
«المهاد : المكان الممهّد الموطأ ؛ واختيار هذا الوصف للأرض ينم عن مغزىً عميق ..
فمن جهة : نجد في قسم واسع من الأرض الإستواء والسهولة ، فتكون مهيئة لبناء المساكن والزراعة.
ومن جهة ثانية : اودع فيها كل ما يحتاجه الإنسان لحياته من المواد الأوّلية إلى المعادن الثمينة ، سواء كان ذلك على سطحها أم في باطنها.
ومن جهة ثالثة : تحلل الأجساد الميتة التي تودع فيها ، وتبيد كل الجراثيم الناشئة عن هذه العملية بما أودع فيها الباري من قدرة على ذلك.
ومن جهة رابعة : ما لحركتها السريعة المنظمة ولدورانها حول الشمس وحول نفسها من أثر على حياة البشرية خاصة ، بما ينجم عنها الليل والنهار والفصول الأربعة.
وبما أنّ نعمة استواء الأرض وسهولتها قد تهمش نعمة الجبال ، فقد جاءت الآية التالية لتبيّن أهمية الجبال ودورها المهم في حياة الإنسان : (وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا).
تشكل الجبال آيةً ربانية زاخرة بالعطاء ، وتؤدي وظائف كثيرة ، منها أنّها تحفظ القشرة الأرضية من الإنهيار أمام الضغط الحاصل من المواد المذابة داخلها ، وذلك لعمق تجذرها المترابط داخل الأرض ... وتحافظ عليها من تأثيرات جاذبية القمر في عملية المد والجزر ... وتشكل جدران الجبال سداً منيعاً للتقليل من آثار الرياح الشديدة والعواصف المدمرة ... وتقوم بخزن المياه وادخار أنواع المعادن الثمينة في باطنها ..
بالإضافة لكل ما ذكر ، فتوزيع الجبال على الأرض بالشكل الموجود وتعاملاً مع حركة الأرض يعمل على تنظيم حركة الهواء المحيط بالكرة الأرضية بالشكل الذي يؤثر إيجابياً على الحياة فوق الأرض. وفي هذا المجال ، يقول العلماء : لو كان سطح الكرة الأرضية مستوياً كلّه ، لتولدت عواصف شديدة لا يمكن السيطرة عليها جراء حركة الأرض وسكون الغلاف الجوي ، ولفقدت الأرض صلاحيتها بتوفير مستلزمات السكن للإنسان ، لأنّ استمرار الإحتكاك الحاصل من حركة الأرض الدائمة وسكون الغلاف الجوي سيؤدّي بلا شك إلى زيادة حرارة القشرة الأرضية مما يجعل الأرض غير صالحة لسكنى الإنسان.
وبعد أن بيّن القرآن هذين النموذجين من النعم الإلهية والآيات الآفاقية ، عرج إلى ذكر ما أنعم الباري على الإنسان من النعم والآيات الأنفسية فقال : (وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا).