والأحقاب : جمع (حقب) على وزن (قفل) ، بمعنى برهة زمانية غير معينة.
وتشير الآيات ـ بعد ذلك ـ إلى جانب صغير من عذاب جهنم الأليم ، بالقول : (لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا).
إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا) ، إلّاظلّ من الدخان الغليظ الخانق كما أشارت إلى ذلك الآية (٤٣) من سورة الواقعة : (وَظِلّ مّن يَحْمُومٍ). الحميم : هو الماء الحار جدّاً ؛ والغسّاق : هو ما يقطر من جلود أهل النار من الصديد والقيح.
في حين أنّ أهل الجنة يسقيهم ربّهم جلّ شأنه بالأشربة الطاهرة ، كما جاء في الآية (٢١) من سورة الإنسان : (وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا).
ولكن ، لِمَ هذا العذاب الأليم؟ فتأتي الآية التالية : إنّما هو : (جَزَاءً وِفَاقًا).
ولِمَ لا يكون كذلك .. وقد أحرقوا في دنياهم قلوب المظلومين ، وتجاوزوا بتسلطهم وظلمهم وشرّهم على رقاب الناس دون أن يعرفوا للرحمة معنى ، فجزائهم يناسب ما اقترفوا من ذنوب عظام.
ويذكر القرآن سبب الجزاء فيقول : (إِنَّهُمْ كَانُوا لَايَرْجُونَ حِسَابًا).
وبعبارة اخرى : إنّ عدم الإيمان بالحساب سبب للطغيان ، فيكون الطغيان سبباً لذلك الجزاء الأليم.
لأنّهم تناسوا حساب يوم القيامة بالكلية : ولم يفرزوا له مكاناً في كل حياتهم.
ومباشرة يضيف القرآن القول : (وَكَذَّبُوا بَايَاتِنَا كِذَّابًا).
فقد أحكمت الأهواء النفسانية قبضتها عليهم حتى جعلتهم يكذبون بآيات الله تكذيباً شديداً ، وأنكروها إنكاراً قاطعاً ليواصلوا أمانيهم الإجرامية باتباعهم المفرط لأهوائهم النفسانية ونوازعهم الدنيوية.
ينبه القرآن الطغاة على وجود الموازنة بين الجرم والعقاب في العدل الإلهي ، فيقول : (وَكُلَّ شَىْءٍ أَحْصَيْنهُ كِتَابًا).
فلا تظنوا أنّ شيئاً من أعمالكم سيبقى بلا حساب أو عقاب ، ولا تساوركم الشكوك بعدم عدالة العقوبات المقررة لكم.
وفي هذا المجال ، يقول القرآن : (وَكُلُّ شَىْءٍ فَعَلُوهُ فِى الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ